تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : حسن المحاضرة في أخبار مصر و القاهرة |
كم قد أباد أميراً ... على المعالي توفر (1/254)
وقاتل النفس ظلماً ... ذنوبه ما تكفر
وأقيم بعده أخوه ناصر الدين أبو المحاسن حسن؛ ولقب الملك الناصر، وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة؛ فأقام إلى أن خلع في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين، وسجن بالقلعة، وأقيم بعده أخوه صالح، ولقب الملك الناصح، وجعل شيخو أتابكه فأقام إلى أن خلع في شوال سنة خمس وخمسين، وحبس بالقلعة، وأعيد الناصر حسن، فأقام إلى أن قتل ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، وأقيم بعده ابن أخيه ناصر الدين أبو المعالي محمد بن المظفر حاجي، ولقب الملك المنصور، فأقام إلى أن خلع في شعبان سنة أربع وستين وسجن بالقلعة إلى ان مات سنة إحدى وثمانين، وأقيم بعده ابن عمة أبو المفاخر شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولقب الملك الاشرف وعمره يومئذ عشر سنين واستقر اتابكه يلبغا العمري. ثم إن يلبغا قتل بأيدي مماليكه في سنة ثمان وستين، وكان ساكنا بالكبش، فقال فيه بعض الشعراء:
وبدا شقا يلبغا وعدت ... عداه في سفنه إليه
والكبش لم يفده وأضحت ... تنوح غربانه عليه
وأقيم أسندمر الناصر أتابكا، فاتفقت معه مماليك يلبغا، فركبوا على الاشرف فهزموا، ونصر الأشرف، وقال بعض الشعراء في ذلك:
هلال شعبان جهراً لاح في صفر ... بالنصر حتى أرى عيدا بشعبان
وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا ... رغما وما انتطحت في الكبش شاتان
ثم أقيم الجائي اليوسفي أتابكا وهو زوج أم الأشرف، فاتفق موت أم الأشرف، فقال شهاب الدين السعدي متفائلا بالجائي:
في مستهل العشر من ذي الحجة ... كانت صبيحة موت أم الأشرف
فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشور موت اليوسفي
فأتفق أن وقع الأمر كذلك، ركب الجائي على الأشرف في سابع المحرم، فكسر وطلب يوم الثامن، فساق حتى أرمى نفسه في البحر، فغرق، ثم أخرجه الغواصون ودفن في تاسع المحرم.
ثم إن الأشرف تأهب للحج، وسافر في شوال ثمان وسبعين، وصحبه الخليفة والقضاة والأمراء، فلما وصل إلى العقبة، ركب عليه من معه من الأمراء والجند، فأنكسر السلطان، ورجع هاربا إلى مصر، فاختفى بها.
قال الحافظ ابن حجر: أخبر الشيخ بدر الدين السلسولي أحد علماء المالكية وصلحائهم، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز الأشرف للحج، وعمر يقول له: شعبان بن حسين يريد أن يجئ إلينا، فقال: لا ما يأتينا أبدا! فلم يلبث الأشرف أن رجع من العقبة.
قال ابن حجر: وعرض طشتمر على الخليفة أن يتسلطن، فامتنع وقال: بل اختاروا من شئتم، وأنا أوليه، ورجع هو والقضاة إلى مصر. ثم إنهم ظفروا بالأشرف، فخنقوه وأقيم بعده ولده علاء الدين علي وهو صبي، ولقب الملك المنصور، فأقام إلى أن مات في صفر سنة ثلاث وثمانين، وعمره يوم مات اثنتا عشرة سنة. وكان التدبير في أيامه لأينبك البدر، ثم لقرطاي، ثم لبرقوق.
وأقيم بعده أخوه صلاح الدين حاجي بن الأشرف شعبان، ولقب الملك الصالح، وسنة حينئذ تسع سنين، ثم خلع في رمضان سنة أربع وثمانين، وأقيم في السلطنة سيف الدين أبو سعيد برقوق بن أنص؛ ولقب الملك الظاهر؛ وهو أول السلاطين من الجراكسة، وليس فيهم من تسلطن وأبوه مسلم غيره؛ فإن أباه قدم إلى الديار المصرية، فاسلم ومات قبل سلطنة ولده بشهر. وكان الذي أشار بتلقيب برقوق بالظاهر شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني؛ فإن ولايته كانت وقت الظهر، وخطب الخليفة قبل أن يفوض إليه خطبة بليغة، ثم قلده بحضرة البلقيني والقضاة، واستمر في السلطنة إلى ثالث جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، فخلع وسجن بالكرك، واعيد حاجي إلى السلطنة، فاستمر إلى أن مات في شوال سنة إحدى وثمانمائة، وأقيم بعده ولده زين الدين أبو السعادات فرج، ولقب الملك الناصر، وقال بعض الشعراء في ولايته:
مضى الظاهر السلطان أكرم مالك ... إلى ربه يرقى إلى الخلد في الدرج
وقالوا ستأتي شدة بعد موته ... فأكذبهم ربي وماجا سوى فرج
فأقام إلى سادس ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، فخلع وأقيم أخوه عبد العزيز، ولقب الملك المنصور، ثم خلع في رابع جمادى الآخرة من السنة، وأعيد الناصر فرج، فأقام إلى أن خرج عليه شيخ المحمودي، وقاتله وحصره، وظفر به وحكم ابن العديم بسفك دمه وقتل بسيف الشرع؛ وذلك في المحرم سنة خمس عشرة وثمانمائة، وأقيم الخليفة المستعين بالله أبو النصر العباسي سلطاناً مستقلاً بالأمر، وحلف له الأمراء على الوفاء ولم يتغير لقبه، فأقام يتصرف بالولاية والعزل وغيرهما، ثم سأله شيخ أن يفوض إليه السلطنة على العادة، فأجابه إلى ذلك في شعبان من السنة، وبقيت الخلافة باسمه، واستقر شيخ في السلطنة، ولقب الملك المؤيد وكان من خيار الملوك. (1/255)
ترجمه الحافظ ابن حجر في معجمه وأثنى عليه، وقال: أين مثله؟ بل أين أين مثله! وكان معه إجازة بصحيح البخاري من شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، فكانت لا تفارقه سفراً ولا حضرا، وأقام إلى أن توفى في ثامن محرم سنة أربع وعشرين، وأقيم بعده ولده أحمد، ولقب الملك المظفر، وعمره يومئذ سنتان. وجعل ططر مدبر المملكة، ولقب نظام الملك، فلما كان سلخ شعبان من السنة خلع من الملك لصغره، وأقيم ططر، ولقب الملك الظاهر، فأقام إلى أن مات في سادس ذي الحجة من السنة.
وأقيم بعد ططر ولده محمد ولقب الملك الصالح، وجعل برسباي نظام الملك، فلما كان في ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وأقيم برسباي، ولقب الملك الأشرف، فأقام إلى أن مات في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين.
وأقيم ولده يوسف، ولقب الملك العزيز، وجعل جمقمق نظام الملك، فلما كان في سنة اثنتين وأربعين خلع وأقيم جمقمق، ولقب الملك الظاهر، فأقام إلى أن مات سنة سبع وخمسين.
وأقيم ولده عثمان، ولقب الملك المنصور، فمكث شهرا ونصفا، ثم خلع في ربيع الأول، وأقيم إينال العلائي؛ ولقب الملك الأشرف، فأقام إلى ان مات في جمادى الأولى سنة خمس وستين.
وأقيم ولده أحمد ولقب الملك المؤيد ثم خلع في رمضان من السنة، وأقيم خشقدم الناصري، ولقب الملك الظاهر، فأقام إلى أن مات في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين.
وأقيم قايتباي العلائي، ولقب الملك الظاهر، فأقام نحو شهرين وخلع، وأقيم تمربغا، ولقب الملك الظاهر، فأقيم أيضاً نحو شهرين، وخلع في رجب. وأقيم سلطان العصر الملك الأشرف قايتباي المحمودي، فأقام إلى أن مات ليلة الاثنين ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة.
وأقيم ولده محمد، ولقب الملك الناصر أبو السعادات محمد.
وقد نظم بعضهم أسماء بعض السلاطين في أرجوزة وهو حمزة بن علي الحسني مذيلا على أرجوزة الجزار عقب ذكر الملك الظاهر، فقال:
ثم تولى الملك السعيد ... وكل يوم في ذراه عيد
ثم أخوه العادل استقلا ... بالملك أياما بها وولي
ثم تولى الملك المنصور ... ومن جرى بنصره المقدور
ثم تولاها المليك الأشرف ... ومن غدا بكل جود يعرف
ثم تولاها المليك الناصر ... وماله في نصره موازر
ثم الأمير كتبغاء العادل ... وما جرى في وقته فسائل
وبعده لاجين المنصور ... ودولة بلاؤها مشهور
ثم بها الناصر عاد ثانيه ... ولم ينل في ملكه أمانيه
ثم حوى الأمر بها المظفر ... ليقض أمر ربنا المقدر
ثم بها الناصر عاد ثالثه ... ونجله المنصور كان وارثه
وبعده الاشرف وهو يافع ... فلا ممانع ولا مدافع
ثم تولى الناصر بن الناصر ... وبعده الصالح ذو المماكر
اعني أبا الفداء إسماعيلا ... طائره أضحى به جميلا
هذا آخر ما نظمه، وقد ذيلت عليه فقلت:
وبعده شعبان وهو الكامل ... وبعده المظفر المماحل
وبعده الناصر واسمه حسن ... وبعده الصالح في البرج سجن
ثم أعيد حسن وبعده ... محمد المنصور أوهي عهده
وبعده شعبان وهو الاشرف ... وهو ابن عشر أمره مستضعف
وبعده المنصور واسمه علي ... وبعده الصالح حاجي قد ولى
وبعده برقوق وهو الظاهر ... ثم أعيد الصالح المنافر
ولقبوه الملك المنصورا ... ثم أعادوا الظاهر المذكورا
وبعده الناصر واسمه فرج ... وبعده عبد العزيز قد خرج
ولقب المنصور ثم أمسكا ... وأحضرا الناصر حتى ملكا
وبعد هذا بويع الخليفة ... ذو الرتبة العالية المنيفة (1/256)
المستعين الأعظم العباس ... فاستوثق الأمر وسر الناس
وبعد هذا ملك المؤيد ... شيخ وبعده المظفر أحمد
وبعده الظاهر واسمه ططر ... ثم ابنه الصالح لما أن غبر
ثم برسباي وذاك الأشرف ... ثم ابنه الملك العزيز يوسف
وبعده الظاهر وهو جقمق ... ثم ابنه المنصور ثم أطلقوا
وبعده إينال وهو الأشرف ... ثم ابنه المؤيد المنصرف
وبعده خشقدم ليث الوغى ... وبعد يلباي أتى تمربغاً
والكل بالظاهر رسما يوصف ... وبعدهم جاء المليك الأشرف
أقام في الملك ثلاثين سوى ... سبع شهور وحوى ما قد حوى
وسلطنوا ولده محمدا ... ولقب الناصر رغماً للعدا
ذكر الفرق بين الخلافة والملك والسلطنة
من حيث الشرع
قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني قيس بن الربيع، عن عطاء ابن السائب، عن زادان، عن سلمان أن عمر بن الخطاب، قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال: له سلمان إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر، ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة، فاستعبر عمر.
وقال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد العزيز بن الحارث، عن أبيه سفيان بن أبي العوجاء، قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فغن كنت ملكا، فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً، قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس، فيأخذ من هذا، ولا يعطي هذا. فسكت عمر.
ذكر من يطلق عليه السلطنة من حيث المصطلح
قال أبن فضل الله في المسالك: ذكر علي بن سعيد أن الاصطلاح ألا تطلق هذه التسمية إلا على من يكون في ولايته ملوك، فيكون ملك الملوك، مثل مصر، أو مثل الشام، أو مثل أفريقية، أو مثل الأندلس، ويكون عسكره عشرة آلاف فارس أو نحوها، فإن زاد بلادا أو عددا في الجيش، كان أعظم في السلطنة. وجاز أن يطلق عليه السلطان الأعظم، فإن خطب له في مثل مصر والشام والجزيرة ومثل خراسان وعراق العجم وفارس ومثل إفريقية والمغرب الأوسط والأندلس، كان سمته سلطان السلاطين كالسلجوقية.
ذكر ما يلقب به ملك مصر
قال الكندي: قال تعالى حكاية عن اخوة يوسف: قال تعلى حكاية عن أخوة يوسف: )يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر( فحكى أن اسم ملكها العزيز، وذكر جماعة من المفسرين أن فرعون لقب لكل من ولي مصر، ولعل هذا خاص بملوك الكفر.
ذكر جلوس السلطان في دار العدل للمظالم
قال ابن فضل الله: إذا جلس السلطان للمظالم، جلس عن يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة، الوكيل عن بيت المال، ثم الناظر في الحسبة، ويجلس عن يساره كاتب السر، وقدامه ناظر الجيش وجماعة الموقعين تكملة حلقة دائرة، وغن كان ثم وزير من أرباب الأقلام كان بينه وبين كاتب السر، وإن كان الوزير من أرباب السيوف كان واقفاً على بعد، مع بقية أرباب الوظائف، ويقف من وراء السلطان صفان عن يمينه ويساره من السلاح دائرة والجمدارية والخاصكية، ويجلس على بعد تقديره خمسة عشر ذراعا من يمنة ويسرة، ذوو السن من أكابر أمراء المؤمنين، وهم أمراء المشورة، ويليهم من دونهم من أكابر الأمراء وأرباب الوظائف وقوفا وبقية الأمراء وقوف من وراء أمراء المشورة، ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجاب والدوادارية، لإحضار قصص الناس وإحضار المساكين، وتقرأ عليه فما احتاج إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه، وما كان متعلقاً بالعسكر تحدث مع الخاص وكاتب السر فيه.
قال: وهذا الجلوس يكون يوم الاثنين ويم الخميس، إلا أن القضاة وكاتب السر لا يحضرون يوم الخميس.
قال: ومن عادته إذا ركب يوم العيدين ويوم دخول المدينة يركب، وعلى رأسه العصائب السلطانية وهي صفر مطرزة بذهب بألقابه واسمه، وترفع المظلة على راسه، وهي قبة مغشاة بأطلس أصفر مزركش، عليها طائرة من فضة مذهبة، يحملها بعض أمراء المئين الأكابر، وهو راكب فرسه إلى جانبه، وأمامه الطبرداية مشاة، وبأيديهم الاطبار.
قلت: العصائب المذكورة حرام، وقد بطلت الآن ولله الحمد.
ذكر عساكر مملكة مصر
قال ابن فضل الله في المسالك، وأما عساكر هذه المملكة، فمنهم من هو بحضره السلطان، ومنهم من فرق في أقطار المملكة وبلادها، ومنهم سكان بادية كالعرب والتركمان وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان، وغالبهم من المماليك المبتاعين، وهم طبقات أكابرهم من له أمره مائة فارس، وتقدمة ألف فارس، ومن هذا القبيل يكون أكابر النواب، وربما زاد بعضهم بالشرة فوارس والعشرين. ثم أمراء الطبلخاناه، ومعظمهم من تكون له إمرة أربعين فارسا وقد يزيد إلى السبعين ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين، ثم أمراء العشرات ومنهم من كان يكون له عشرون فارسا، ولا يعد إلا في أمراء العشرات، ثم جند الحلقة، وهؤلاء لكل أربعين نفرا، منهم مقدم ليس له حكم عليهم إلا خرج العسكر، كانت مرافقتهم معه، وتربيتهم في موقفهم إليه، ويبلغ بمصر إقطاع بعض أكابر الأمراء المئين المقربين من السلطان مائتي ألف دينار جيشه، وأما غيرهم فدون ذلك، ودون دونه إلى ثمانين ألف دينار وما حولها، وأما العشرات فنهايتها سبعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك. (1/257)
وأما إقطاعات جند الخليفة، فمنه ما يبلغ ألفا وخمسمائة دينار، وما دون ذلك إلى مائتين وخمسين دينارا.
وأما إقطاعات أمراء الشام فعلى الثلاثين من مصر.
ذكر أرباب الوظائف في هذه المملكة
قال ابن فضل الله: الوظائف الكبار من ذوي السيوف: إمرة سلاح الدوادارية، الحجوبية، إمرة جاندار الأستاذ دارية، المهندارية، نقابة الجيوش.
ومن ذوي الأقلام: الوزارة، كتابة السر، نظر الجيش، نظر الأموال، نظر الخزانة، نظر البيوت، نظر بيت المال، نظر الإسطبلات.
ومن ذوي العلم: القضاة، الخطباء، وكالة بيت المال، الحسبة.
قال: وكانت وظيفة تسمى نيابة السلطان، أبطلها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان النائب أولا سلطانا مختصرا، وكان هو الذي يفرق الإقطاعات ويعين الإمرة والوظائف، ويتصرف التصرف المطلق في كل أمر، غلا في ولاية المناصب الجليلة، كالقضاء والوزارة وكتابة السر، لكن يعرض هو على السلطان من يصلح، وقل ألا يجاب، وكان يسمى كافل الممالك والسلطان الثاني.
وأما الوزارة، فكان يليها من أربا السيوف والأقلام على قدر ما يتفق، وكان الوزير النائب في المكانة.
قال: وقد أبطل الناصر الوزارة أيضا، واستقل هو بما كان يفعله النائب والوزير، واستنجد وظيفة فيما هو خاص بمال السلطان يتحدث في مجموع الأمر في الخاص بنفسه، وفي العام يأخذ رأيه فيه، فيبقى بسبب ذلك كأنه الوزير لقربه من السلطان.
وأول من ولي هذه الوظيفة كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد. وأما إمرة سلاح فموضوعها أن صاحبها مقدم السلاح دارية، والمتولي بحمل سلاح السلطان في المجامع الجامعة، وهو المتحدث في السلاح خاناه وتعلقاتها، وهو من أمراء المئين.
والدوادارية موضوعها ان صاحبها يبلغ الرسائل عن السلطان، ويقدم القصص إليه، ويشاور على من يحضر إلى الباب، ويقدم البريد إذا حضر، ويأخذ خط السلطان على عموم المناشير والتواقيع والكتب.
والحجوبية موضوعها ان صاحبها يقف بين الأمراء والجند وهو المشار إليه في الباب بالقائم مقام البواب في كثير من الأمور.
وإمرة جاندار صاحبها كالمتسلم للباب، وهو المتسلم للزردخاناه، ومن أراد السلطان قتله، كان على يد صاحب هذه الوظيفة.
والأستاذ دارية صاحبها إليه أمر بيوت السلطان كلها من المصالح والنفقات والكساوي، وما يجري مجرى ذلك، وهو من أمراء المئين.
ونقابة الجيش صاحبها كأحد الحجاب الصغار، وله تحلية الجند في عرضهم، وإذا أمر السلطان بإحضار أحد أو الترسيم عليه فهو صاحب ذلك.
والولاية صاحبها هو صاحب الشرطة.
وأما الوزارة فصاحبها ثاني السلطان إذا انصف، وعرف حقه، ولكن في هذه المدد تقدمت عليها النيابة وتأخرت الوزارة وتقهقرت، فصار المتحدث فيها كناظر المال لا يتعدى الحديث في المال، ولا يتسع له في التصرف بحال، ولا يمد يده في الولاية والعزل كتطلع السلطان إلى الإحاطة بجزئيات الأحوال.
ثم إن السلطان أبطل هذه الوظيفة، وعطل جيد الدولة من عقودها، وصار ما كان إلى الوزير منقسما إلى ثلاثة: إلى ناظر المال أو شاد الدواوين، أمر تحصيل المال، وصرف النفقات والكلف، وإلى ناظر الخاص تدبير جملة الأمور وتعين المباشرين، وغلى كاتب السر التوقيع في دار العدل مما كان يوقع فيه الوزير مشاورة واستقلالا، ثم إن كلاً من المتحدثين الثلاثة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان. (1/258)
ومن وظيفة كتابة السر قراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها والجلوس لقراءة القصص بدار العدل، والتوقيع عليها وتصريف المراسيم ورودا أو صدورا.
وأما نظر الجيش فلصاحبه النظر في الإقطاعات ومعه من المستوفين ما يحرر كليات المملكة وجزئياتها.
وأما نظر الخزانة فكانت وظيفة كبيرة الوضع لأنها مستودع أموال المملكة، فلما استحدثت وظيفة الخاص ضعف أمرها، وغالب ما يكون ناظرها من القضاة أو نحوهم.
وأما نظر البيوت فمنوط بالأستاذ دارية فكل ما يتحدث فيه الأستاذ دارية يشارك فيه.
وأما نظر بيت المال فوظيفة جليلة موضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرف فيه تارة بالميزان وتارة بالتسبيب بالأقلام، ولا يلي هذه الوظيفة إلا من هو من ذوي العدالة المبرزة.
وأما نظر الإصطبلات، فلصاحبه الحديث في أنواع الإصطبل والمناخات وعلفها وارزاق خدمها وما يبتاع لها.
وأما وظائف أهل العلم فمعروفة مشهورة لا تخلو مملكة من ممالك الإسلام منها.
هذا كله كلام ابن فضل الله.
ذكر في التاريخ أن الخليفة المقتفى بالله نقل المظفر بن جهير من الأستاذ دارية إلى الوزيرية في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، قال بعضهم؛ وذلك أول ما سمع بوظيفة الاستاذدارية في الدول.
وقال بعض المؤرخين: لما تولى الظاهر بيبرس أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنكرخان ملك التتار وأموره، ففعل ما أمكنه، ورتب في سلطنته أشياء كثيرة لم تكن قبله بديار مصر، مثل ضرب البوقات وتجديد الوظائف، فاحدث أمير سلاح وأمير مجلس ورأس نوبة الأمراء وأمير أخور، وحاجب الحجاب والدوادار والجمدار وأمير شكار. وموضوع أمير سلاح انه يتحدث على السلاح داريه، وينال السلطان آلة الحرب والسلاح يوم القتال ويوم الأضحى، ولم تكن رتبته في زمن الظاهر أن يجلس في ميسرة السلطان، إنما كان يجلس في هذا الموضع أتابك، ثم في زمن الناصر ابن قلاوون كان يجلس فيه رأس نوبة الأمراء.
وموضوع أمير مجلس، انه يحرس مجلس السلطان وفرشه، ويتحدث على الأطباء والكحالين ونحوهم، وكانت وظيفة جليلة أكبر قدرا من أمير سلاح.
ورأس نوبة، وظيفة عظيمة عند التتار ويفخمون فيها السين، ولما أحدثها الظاهر بمملكة مصر كان صاحبها يسمى رأس نوبة الأمراء؛ ومعناه أكبر طائفة الأمراء، وهو أكبر من أمير مجلس وأمير سلاح، وهو في مرتبة الأمير الكبير الآن، ولم يكن أحد يسمى بالأمير الكبير إذ ذاك؛ إلى أن ولى هذه الوظيفة شيخو العمري في زمن السلطان حسن، فلقب بالأمير الكبير زيادة على التقليب برأس نوبة الأمراء، وهو أول من لقب بالأمير الكبير كما ذكر.
وموضوع أمير أخور النظر في علف الخيل، وأخور بالمعجمة المذود الذي يأكل فيه الفرس.
والحاجب كان في الزمن الأول من أيام الخلفاء للذي يحجب الناس عن الدخول على الخليفة، وكان يرفأ حاجب عمر بن الخطاب، ثم عظمت الحجوبية في أيام الناصر ابن قلاوون.
والدوادار كان في زمن الخلفاء أيضا، وهو الذي يحمل الدواة ويحفظها، ومعناه ماسك الدواة، وأول من أحدث هذه الوظيفة الملوك السلجوقية، وكانت في زمنهم وزمن الخلفاء لرجل متعمم ثم صارت في زمن الظاهر لأمير عشرة.
والجمدار: ماسك البقجة التي للقماش.
ذكر قضاة مصر
قال ابن عبد الحكم: أول قاض استقضى بمصر في الإسلام - كما ذكر سعد بن عقير - قيس بن أبي العاصي، [فمات] سنة أربع وعشرين، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يستقضي كعب بن يسار بن ضنة [العبسي]. قال ابن أبي مريم: وهو ابن بنت خالد بن سنان العبسي الذي [تزعم عبس فيه] أنه تنبأ في الفترة بين عيسى بن مريم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى كعب أن يقبل القضاء، وقال: قضيت في الجاهلية ولا أعود إليه في الإسلام.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان قيس بن أبي العاصي بمصر، ولاه عمرو بن العاص القضاء. وقد قيل إن أول من استقصى بمصر كعب بن ضنة بكتاب عمر بن الخطاب فلم يقبل. (1/259)
حدثنا المقرئ عبد الله بن زيد، أنبأنا حيوة بن شريح، أنبانا الضحاك بن شر حبيل الغافقي، أن عمار بن سعيد التجيبي أخبرهم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص، أن يجعل كعب بن ضنة على القضاء، فأرسل إليه عمرو، فأقرأه كتاب أمير المؤمنين، فقال كعب: والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلية وما كان فيها من الهلكة، ثم يعود فيها أبداً إذ أنجاه الله منها، فأبى أن يقبل القضاء، فتركه عمرو. قال ابن عفير وكان حكماً في الجاهلية. فلما امتنع كعب أن يقبل القضاء ولى بن العاص عثمان ابن قيس بن أبي العاص القضاء، وقد كان عمر بن الخطاب قد كتب إلى عمرو بن العاص أن يفرض له في الشرف.
قال: ودعا عمرو خالد بن ثابت الفهمي ليجعله على المكس، فاستعفاه منه، فكان شرحبيل بن حسنة على المكس، وكان مسلمة بن مخلد على الطواحين؛ طواحين البلقس.
وأقام عثمان على القضاء إلى أن صرف سنة اثنتين واربعين، ثم ولى سليم بن عتر التجيبي على القضاء في أيام معاوية بن ابي سفيان، وجعل إليه القصص والقضاء جميعا.
حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الحجاج بن شداد الصنعاني، أن أبا صالح سعيد بن عبد الرحمن الغفاري أخبره، أن سليم بن عتر كان يقص على الناس وهو قائم، فقال له صلة بن الحارث الغفاري - وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما تركنا عهد نبينا، ولا قطعنا ارحامنا، حتى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا! وكان سليم بن عتر أحد العباد المجتهدين، وكان يقوم في ليله فيبتدئ القرآن حتى يختمه، ثم يأتي أهله، ثم يقول فيغتسل ثم يقرأ فيختم، ثم يأتي أهله [فيقضي منهم حاجته]، وربما فعل ذلك في الليلة مرات، فلما مات قالت امرأته: رحمك الله! فوالله لقد كنت ترضى ربك وتسر أهلك.
ثم لما ولى مسلمة بن مخلد البلد، ولي السائب بن هشام بن عمرو أحد بني مالك بن حشل شرطه، وكان هشام بن عمرو أحد النفر الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كانت في قريش كتبت. وكان عمرو بن العاص ولي السائب بن هشام شرطه بعد خارجة بن حذافة، وكان أيضا على شرطه عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم عزل مسلمة السائب وولي عابس بن ربيعة المرادي الشرطة، ثم جمع له القضاء مع الشرطة.
وسبب ذلك أن معاوية كتب إلى مسلمة يأمره بالبيعة ليزيد، فأتى مسلمة الكتاب وهو بالإسكندرية، فكتب إلى السائب بذلك، فبايع الناس إلا عبد الله بن عمرو ابن العاصي، فأعاد عليه مسلمة الكتاب فلم يفعل، فقال مسلمة: من لعبد الله بن عمرو؟ فقال عابس بن سعيد: أنا، فقدم القسطاط، فأتى فبايع، واستمر عابس على القضاء حتى دخل مروان بن الحكم مصر في سنة خمس وستين، فقال: أين قاضيكم؟ فدعى له عابس - وكان أمياً لا يكتب - فقال له مروان: أجمعت كتاب الله؟ قال: لا، قال: فأحكمت الفرائض؟ قال: لا، قال: تقضى! قال: اقضي بما علمت، وأسال عما جهلت، قال: أنت القاضي. فلم يزل عابس على القضاء إن توفي سنة ثمان وثمانين.
فولى عبد العزيز بن مروان بشير بن النضر المزني القضاء.
ثم ولي عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني وجمع له القضاء والقصص وبيت المال، فكان يأخذ رزقه في السنة ألف دينار على القضاء؛ فلم يكن يحول عليه الحول وعنده ما تجب فيه الزكاة، فلم يزل على القضاء حتى مات سنة ثلاث وثمانين. ويقال: بل ولي في سنة ثلاث وثمانين، ومات في سنة خمس وثمانين.
ثم ولي القضاء مالك بن شراحيل الخولاني، فلم يزل على القضاء حتى مات.
فولى من بعده يونس بن عطية الحضرمي، وجمع له القضاء والشرطة، فلم يزل حتى مات سنة ست وثمانين.
فولي بعده ابن أخيه أوس، ثم ولي عبد الرحمن بن معاوية بن حديج الكندي وجمع له القضاء والشرطة، فتوفى عبد العزيز بن مروان، وولي بعده عبد الله بن عبد الملك فأراد عزل ابن حديج فاستحيا من عزله عن غير شيء، ولم يجد عليه مقالا ولا متعلقا فولاه مرابطة الإسكندرية.
وولي عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة القضاء والشرطة فلم يزل إلى سنة تسع وثمانين، فغضب عليه عبد الله بن عبد الملك، فعزله وولي عبد الأعلى بن خالد ابن ثابت الفهمي مكانه. ثم أتى عبد الله بن عبد الملك فعزله. (1/260)
وولي قرة بن شريك العبسي الإمرة، فعزل عبد الأعلى، وولي عبد الله بن عبد الرحمن ابن حجيرة، وهو ابن حجيرة الأصغر، ثم عزل في سنة ثلاث وتسعين.
وولي عياض بن عبد الله الأزدي ثم السلامي، ثم صرف في سنة ثمان وتسعين، وأعيد ابن حجيرة ثم صرف وأعيد، فلم يزل إلى سنة مائة. ثم صرف وولي عبد الله بن خذامر ثم صرف سنة اثنتين ومائة.
وولي يحيى بن ميمون الحضرمي فأقام إلى سنة أربع عشرة ومائة، ثم صرف ولم يكن بالمحمود في ولايته.
ثم ولي يزيد بن عبد الله بن خذامر ثم صرف.
وولي الخيار بن خالد المدلجي، فأقام نحو سنة، ومات سنة خمس عشرة ومائة وكان محموداً جميل المذهب.
ثم ولي توبة بن نمر الحضرمي، فأقام ما شاء الله، ثم استعفى، فقيل له: فأشر علينا برجل نوليه، فقال: كاتبي خير بن نعيم الحضرمي، فولى خير سنة إحدى وعشرين ومائة، فلم يزل حتى صرف سنة ثمان وعشرين ومائة.
وولي عبد الرحمن بن سالم بن أبي سالم الجيشاني، فلم يزل إلى ولاية بني العباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فصرف عن القضاء واستعمل على الخراج، ورد خير بن نعيم؛ فلم يزل حتى عزل نفسه في سنة خمس وثلاثين؛ وذلك ان رجلا من الجند قذف رجلاً، فخاصمه إليه وثبت عليه بشاهد واحد، فأمر بحبس الجندي إلى أن يثبت الرجل شاهدا آخر، فأرسل أبو عون عبد الملك بن يزيد، فأخرج الجندي من الحبس، فاعتزل خير وجلس في بيته، وترك الحكم، فأرسل إليه أبو عون، فقال: لا، حتى يرد الجندي إلى مكانه! فلم يرد، وتم على عزمه، فقالوا له: فاشر علينا برجل نوليه، فقال: كاتبي غوث بن سليمان.
فولى غوث بن سليمان الحضرمي، فلم يزل حتى خرج مع صالح بن علي إلى الصائفة.
ثم ولي أبو خزيمة إبراهيم بن يزيد الحميري وذلك أن أبا عون - ويقال صالح ابن علي شاور في رجل يوليه القضاء، فأشير عليه بثلاثة نفر. حيوة بن شريح، وأبو خزيمة، وعبد الله بن عياش القتباني، وكان أبو خزيمة يومئذ بالإسكندرية، فاشخص، ثم أتى بهم إليه، فكان أول من نوظر حيوة بن شريح، فامتنع، فدعى له بالسيف والنطع، فلما رأى ذلك حيوة أخرج مفتاحا كان معه، فقال: هذا مفتاح بيتي، من آبائي لأصحابي فيفعلوا مثل ما فعلت، فنجا حيوة. ثم دعى بابي خزيمة فعرض عليه القضاء فامتنع، فدعي له بالسيف والنطع فضعف قلبه، ولم يحتمل ذلك، فأجاب إلى القبول فاستقضى. وكان أبو خزيمة يعمل الأرسان ويبيعها قبل أن يلي القضاء، فمر به رجل من أهل الإسكندرية، وهو في مجلس الحكم، فقال: لأختبرن أبا خزيمة، فوقف عليه فقال له: يا أبا خزيمة، احتجت إلى رسن لفرسي، فقام أبو خزيمة إلى منزله، فأخرج رسناً فباعه منه، ثم جلس. وكان أبو خرشة المرادي صديقاً لأبي خزيمة، فمر به يوما، فسلم عليه، فلم ير منه ما كان يعرف، وكان [أبو خرشة] قد خوصم غليه في جدار، فاشتد ذلك على أبي خرشة، فشكاه إلى بعض قرابته، فسال أبا خزيمة، فقال: ما كان ذلك إلا أن خصمك خفت أن يرى سلامي عليك، فيكسره ذلك عن بعض حجته، فقال أبو خرشة: فإني أشهدك أن الجدار له. ثم استعفى أبو خزيمة فأعفى.
وولي مكانه عبد الله بن بلال الحضرمي، ويقال إنما هو غوث الذي كان استخلفه حين شخص غوث إلى أمير المؤمنين أبي جعفر وذلك في سنة أربع وأربعين. ثم قدم غوث، فاقره خليفة له يحكم بين الناس حتى مات عبد الله بن بلال. قال يحيى بن بكيرك لم يزل أبو خزيمة على القضاء، حتى قدم غوث من الصائفة فعزل أبو خزيمة، ورد غوث [على القضاء]. ثم إن غوثا شخص إلى العراق، فأعيد أبو خزيمة إلى القضاء، فلم يزل حتى توفى سنة أربع وخمسين. وكان ابن حديج إذ ذاك بالعراق، قال: فدخلت على أمير المؤمنين أبي جعفر، فقال لي: يابن حديج، لقد توفى ببلدك رجل أصيبت به العامة! قلت: يا أمير المؤمنين، ذاك إذا أبو خزيمة، قال: نعم.
ثم ولي مكانه ابن لهيعة، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارا؛ وهو أول قاض بمصر أجرى عليه ذلك، وأول قاض استقضاه بها خليفة، وإنما كان ولاة البلد هم الذين يولون القضاة، فلم يزل قاضياً حتى صرف سنة أربع وستين.
وولي إسماعيل بن اليسع الكوفي، وعزل سنة سبع وستين. وكان محمودا عند أهل البلد، إلا أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن أهل البلد يومئذ يعرفونه. قال ابن عبد الحكم: حدثنا أبي [عبد الله] قال: كتب فيه الليث بن سعد إلى أمير المؤمنين: يا أمير المؤمنين: إنك وليتنا رجلا يكيد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، مع أنا ما علمنا في الدينار والدرهم إلا خيرا، فكتب بعزله. (1/261)
ورد غوث بن سليمان على القضاء، فأقام حتى توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين. حدثنا أبو رجاء حماد بن مسور، قال: قدمت امرأة من الريف، فرأت غوثا رائحاً إلى المسجد، فشكت إليه أمرها، فنزل عن دابته، وكتب لها بحاجتها، ثم ركب إلى المسجد فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت والله أمك حتى سمتك غوثا، أنت غوث عند اسمك.
وقيل: إنه أول قاض ركب للهلال مع الشهود. وقيل: بل ابن لهيعة.
فلما مات غوث ولي المفضل بن فضالة بن عبيد القتباني، ثم عزل سنة تسع وستين، وهو أول القضاة بمصر طول الكتب، وكان أحد فضلاء الناس وخيارهم.
ثم ولي أبو طاهر الأعرج عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن حزم الانصاري، وكان محمودا في ولايته، ثم استعفى فأعفى في سنة أربع وسبعين. قالوا: فاشر علينا برجل، فأشار بالمفضل بن فضالة، فولى المفضل، فأقام إلى صفر سنة سبع وسبعين وعزل.
وولي محمد بن مسروق الكندي من أهل الكوفة، ولم يكن بالمحمود في ولايته، وكان فيه عتو وتجبر، فلم يزل إلى سنة أربع وثمانين، فخرج إلى العراق.
واستخاف إسحاق بن الفرات التجيبي، فعزل في صفر سنة خمس وثمانين.
وولي عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب؛وهو أول من دون أسماء الشهود، فأقام إلى عزل في جمادى الأولى سنة أربع وتسعين.
وولي هاشم بن أبي بكر البكري من ولد أبي بكر الصديق، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة، فأقام حتى توفى في أول يوم من المحرم سنة ست وتسعين.
ثم ولي إبراهيم بن البكاء؛ ولاه جابر بن الاشعث، وجابر يومئذ والي البلد، فأقام أن صرف جابر سنة ست وتسعين، وولي مكانه عباد بن محمد، فعزل ابن البكاء.
وولي لهيعة بن عيسى الحضرمي، فأقام حتى قدم المطلب بن عبد الله بن مالك سنة ثمان وتسعين فعزل لهيعة.
وولي الفضل بن غانم، وكان قدم مع المطلب من العراق فأقام نحو سنة، ثم غضب عليه المطلب فعزله.
وولي لهيعة بن عيسى، فأقام حتى توفي في ذي القعدة سنة أربع ومائتين.
فولى السري بن الحكم بعد مشاورة أهل البلد إبراهيم بن إسحاق القارئ حليف بني زهرة، وجمع له القضاء والقصص؛ وكان رجل صدق، ثم استعفى لشيء أنكره فأعفى.
وولي مكانه إبراهيم بن الجراح؛ وكان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن بالمذموم في ولايته، حتى قدم عليه ابنه من العراق، فتغيرت حالته، وفسدت أحكامه؛ فلم يزل [قاضيا] إلى سنة اثنتي عشرة ومائتين، فدخل عليه عبد الله ابن الطاهر البلد فعزله.
وولي عيسى بن المنكدر بن محمد بن المنكدر، وخرج إبراهيم بن الجراح إلى العراق ومات هناك. وأجرى عبد الله بن طاهر على عيسى بن المنكدر أربعة آلاف درهم في الشهر؛ وهو أول قاض أجرى عليه ذلك، وأجازه بألف دينار، فلما قدم المعتصم مصر في سنة أربع عشرة ومائتين كلمه فيه بن أبي داود، فأمره فوقف عن الحكم، ثم أشخص بعد ذلك إلى العراق، فمات هناك.
وبقيت مصر بلا قاض حتى قدم المأمون الخليفة مصر في محرم سنة سبع عشرة وولي القضاء يحيى بن اكثم فحكم بها ثلاثة أيام، وخرج المأمون إلى سخا، واصلح أحوالها وتوجه إلى الإسكندرية وعاد إلى مصر، وخرج عنها في الخامس من صفر.
وجعل القضاء بمصر إلى هارون بن عبد الله الزهري الكمالكي، قلده ذلك وهو بالشام، فقدم في رمضان سنة ربيع تسع عشرة ومائتين، وكان محموداً عفيفاً محبباً في أهل البلد، فأقام إلى ربيع الأول سنة ست وعشرين، فكتب إليه أن يمسك عن الحكم، وقد كان ثقل مكانه على أبي داود.
وقدم أبو الوزير والياً على خراج مصر، وقدم معه بكتاب ولاية محمد بن أبي الليث الأصم [على القضاء]، فلم يزل قاضياً إلى شعبان سنة خمس وثلاثين ومائتين، فعزل وحبس.
وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي الحارث بن مسكين في جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين، ثم صرف في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين.
وولي دحيم بن اليتيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن اليتيم الدمشقي جاءته ولايته بالرملة، فتوفى قبل أن يصل إلى مصر في العام المذكور. (1/262)
وولي بعده بكار بن قتيبة [أبو بكرة الثقفي] من أهل البصرة من ولد أبي بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل البلد في جمادى الآخرة فأقام قاضياً، واحمد بن طولون يصله في كل سنة بألف دينار. ثم إن ابن طولون بلغه أن الموفق خرج عن طاعة أخيه المعتمد، وكان المعتمد ولي عهد أخيه، فأراد ابن طولون خلع الموفق من ولاية العهد، فوافقه فقهاء مصر، وخالف القاضي بكار فحبسه أحمد بن طولون، وذلك في سنة سبع وخمسين ومائتين، ورتب في الحكم عوضا عنه وهو كالخليفة عنه محمد بن شاذان الجوهري، ومات بكار ذي الحجة سنة خمس وسبعين ومائتين.
وأقامت مصر بعد بكار بلا قاض، حتى ولي خماروية بن أحمد بن طولون أبا عبد الله محمد بن عبدة بن حرب القضاء سنة سبع وسبعين ومائتين، فأقام إلى سنة ثلاث وثمانين، فألزم منزله في جمادى الآخرة.
وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي، فأقام ثماني سنين، وعزل في صفر سنة اثنتين وتسعين.
وأعيد أبن عبدة، ثم صرف في رجب من السنة.
وولى أبو مالك بن أبي الحسن الصغير.
ثم ولي بعده أبو عبيدة علي بن الحسين بن حرب المعروف بابن حربوية، في شعبان سنة ثلاث وتسعين، ثم عزل في سنة إحدى وثلاثمائة.
قال أبن يونس في تاريخ مصر: كان أبو عبيد بن حربوية شيئاً عجبا، ما رأينا قبله ولا بعده مثله. وكان آخر قاض يركب إليه أمراء مصر، وكان لا يقوم للأمير إذا أتاه، ثم أرسل موقعه الإمام أبا بكر بن الحداد إلى بغداد سنة إحدى وثلاثمائة في طلب إعفائه من القضاء فأعفي. انتهى. هذا ما ذكره أبن عبد الحكم.
وولي مكانه أبو الذكر محمد بن يحيى الأسواني خلافة لأبي يحيى عبد الله بن إبراهيم بن مكرم، إلى أن صرف في صفر سنة اثنتين وثلاثمائة.
وولي أبو علي عبد الرحمن بن إسحاق بن محمد بن معتمر الدوسي، وصرف في ربيع الآخر سنة أربع عشرة.
وولي أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد، وصرف في ذي الحجة سنة ست عشرة.
وولي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان الربعي الدمشقي، وصرف في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة.
وأعيد أبو عثمان بن حماد، وصرف في ربيع الآخر سنة عشرين.
وأعيد الربعي، وصرف في صفر سنة إحدى وعشرين.
وولي أبو هاشم إسماعيل بن عبد الواحد الربعي المقدسي الشافعي، وصرف في ربيع الآخر من السنة.
وولي أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وصرف في رمضان سنة اثنتين وعشرين.
وولي أبو عبد الله محمد بن موسى بن إسحاق السرخسي.
ثم ولي أبو بكر بن الحداد الإمام المشهور صاحب المولدات، بأمر أمير مصر في ربيع الأول سنة أربع وعشرين، فباشر مدة لطيفة.
ثم ولي محمد بن بدر مولى أبي خيثمة خلافة لمحمد بن الحسن بن أبي الشوارب إلى أن مات سنة خمس وثلاثين.
وولي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن شعيب بن الفضل بن مال بن دينار، يعرف بابن أخت وليد، وصرف سنة ثلاث وثلاثين.
وأعيد ابن الحداد وولي بعده عبد العزيز بن الحسن بن العزيز العباسي الهاشمي خليفة لأخيه، ثم صرف في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
وولي أبو بكر عبد الله بن محمد الخصيبي الشافعي سنة خمس وأربعين؛ فأقام إلى أن مات في المحرم سنة ثمان وأربعين.
وولي بعده ابنه محمد، فأقام شهرا واحدا، ثم اعتل ومات في سادس ربيع الأول من عامه.
فولى كافور بعده أبا الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله البغدادي الدهلي المالكي فأقام ست عشرة سنة - وقبيل ثماني عشرة سنة - إلى أن قامت الدولة العبيدية بالقاهرة، وقدم المعز ومعه قاضيه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور القيرواني، فاجتمع أبو الطاهر بالمعز، فاعجب به، وأقره على ولايته. وأقام النعمان بمصر لا ينظر في شيء، ثم إن أبا الطاهر استعفى قبل موته بيسير فاعفى؛ وذلك في صفر سنة ست وستين.
وولي بعده أبو الحسن علي بن النعمان، وكان شيعياً غالياً، وشاعراً مجيداً، فأقام إلى أن مات في رجب سنة أربع وسبعين؛ وهو أول من نعت قاضي القضاة في مصر؛ ولم يكن يدعى بذلك إلا ببغداد.
وولي بعده أخوه أبو عبد الله محمد، وكان شيعياً أيضا، قال ابن زولاق: ولم نشاهد بمصر لقاض من الرياسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق، ووافق ذلك استحقاقاً؛ لما فيه من العلم والصيانة والهيئة وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته لأن العزيز أجلسه معه يوم العيد على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، إلى ان مات في صفر سنة تسع وثمانين. (1/263)
وولي القضاء بعده ابن أخيه الحسين بن علي بن النعمان، ثم صرف سنة أربع وتسعين.
وولي أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان، ثم صرف في رجب سنة ثمان وتسعين.
وولي بعده مالك بن سعد الفارقي، ثم صرف في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين.
وولي أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام، إلى أن مات في ربيع الأول سنة ثماني عشرة وأربعمائة.
وولي أبو محمد قاسم بن عبد العزيز بن النعمان، ثم صرف في رجب سنة تسع عشرة وأربعمائة.
وولي أبو الفتح عبد الحاكم بن سعيد الفارقي، ثم صرف في ذي القعدة سنة تسع وعشرين.
وأعيد أبو محمد القاسم بن عبد العزيز بن شعبان، ولقب بقاضي القضاة وداعي الدعاة، وثقة الدولة، وأمير الأمراء، وشرف الحكام؛ واستخلف عنه القاضي يحيى الشهاب فأقام ثلاث عشرة سنة، ثم عزل في المحرم سنة إحدى وأربعين.
وأعيد قاسم ثم صرف من عامه، وولي مكانه أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الرحمن البازوري، ثم أضيف إليه الوزارة أيضاً، وهو أول من جمع بينهما، ثم صرف عنهما في المحرم سنة خمس وأربعين.
وولي القضاء أبو علي أحمد بن قاضي القضاة عبد الحاكم بن سعيد الفارقي ثم صرف في ذي القعدة من السنة.
وولي أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب بن عبد الرحمن المليجي، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين.
وولي أبو عبد الله احمد بن محمد أبو زكريا بن عمر بن أبي العوام، إلى ان مات في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين.
وأعيد أبو علي أحمد بن عبد الحاكم بن سعيد، ثم صرف في رجب.
وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب ثم صرف في رمضان.
وولي أبو محمد عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعيد، ثم صرف في صفر سنة أربع وأربعين.
وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب بن عبد الرحمن، ثم صرف في المحرم سنة أربع وأربعين.
وأعيد أبو علي أحمد بن عبد الحاكم مضافاً للوزارة، ثم صرف في صفر.
وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب، ثم صرف في شعبان.
وولي أبو محمد الحسن بن مجلي بن أسد بن أبي كدينة مضافاً للوزارة، ثم صرف في ذي الحجة.
وولي جلال الملك أحمد بن عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعيد مضافاً للوزارة، ثم صرف في المحرم سنة ست وأربعين.
وأعيد الحسن بن مجلي بن أبي كدينة، ثم صرف في ربيع الآخر.
وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب، ثم صرف في رمضان.
وأعيد ابن أبي كدينة ثم صرف في ذي الحجة.
وأعيد ابن الحاكم، ثم صرف في نصف المحرم سنة سبع وأربعين.
وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في السادس والعشرين منه.
وأعيد جلال الملك أحمد بن عبد الكريم، ثم صرف في جمادى.
وأعيد أبن أبي كدينة، ثم صرف في نصف رجب.
وأعيد عبد الحاكم بن وهب، ثم صرف.
وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في صفر سنة ثمان وأربعين.
وأعيد جلال الملك، ثم صرف.
وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في المحرم سنة تسع وأربعين.
وولي عبد الحاكم المليجي، ثم صرف في سابع جمادى الآخرة.
وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في ذي القعدة.
وأعيد جلال الملك، ثم صرف في صفر سنة خمس وستين.
وأعيد المليجي ثم صرف في ربيع الأول.
وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في جمادى الأولى.
وأعيد جلال الملك، ثم صرف في رمضان.
وأعيد المليجي، ثم صرف في ذي الحجة.
وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في صفر سنة إحدى وستين.
وأعيد المليجي، ثم صرف بعد يوم.
وولي خطير الملك بن قاضي القضاة الوزير البازوري، ثم صرف في شوال.
وأعيد ابن أبي كدينة، قم صرف في ذي القعدة.
وأعيد المليجي، ثم صرف.
وأعيد ابن أبي كدينة في ربيع الأول سنة أربع وستين، ثم صرف سنة ست وستين.
وولي أبو يعلى بن الحسين بن أحمد العراقي إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين.
وولي أبو الفضل طاهر بن علي القضاعي ثم ولي بعدن جلال الدولة أبو القاسم علي بن أحمد بن عمار، ثم صرف.
وولي سنة خمس وسبعين أبو الفضل هبة الله بن الحسين بن عبد الرحمن بن نباتة. (1/264)
ثم ولي أبو الفضل بن عتيق.
ثم ولي أبو الحسن علي بن الكمال، ثم صرف.
وولي سنة سبع وثمانين فخر الحكام أبو الفضل محمد بن الحاكم المليجي.
ثم ولي الحسن بن علي بن أحمد المكرمي، ثم صرف بعد شهر.
وولي أبو الطاهر محمد بن رجاء إلى أن مات سنة ثلاث وتسعين.
وولي أبو الفرج محمد بن جوهر بن ذكاء النابلسي، ثم صرف في ربيع الأول سنة أربع وتسعين، لكونه أحدث في مجلس الحكم.
وولي حسين بن يوسف بن أحمد الرصافي، ثم صرف.
وولي أبو النجم بدر الحراني.
ثم ولي أبو الفضل نعمة بن بشير النابلسي المعروف بالجليس، ثم استعفى فأعفى سنة أربع وأربعين.
وولي الرشيد أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زيد الصقلي إلى ان مات، فأعيد الجليس إلى ان مات.
وولي ثقة الملك أبو الفتح مسلم ابن علي الرسعني سنة ثلاث وأربعين. قال ابن ميسر في تاريخ مصر: لما ولي الحكم رفع إلى الأفضل: إني قد اعتبرت ما في مودع الحكم من مال المواريث - وكان يقارب مائة ألف دينار - ورفعها إلى بيت المال أولى من تركها في المودع، وإن لها سنين طويلة لم يطلب شيء منها. فوقع على رقعته: إنما قلدناك الحكم ولا أرى لنا فيما لا نستحقه، فاتركه على حاله لمستحقه، ولا تراجع فيه. ثم اتفق أنه صلى إماما في مجلس صلاة الصبح، وخلفه الوزير المأمون، فقرأ سورة الشمس وضحاها. فارتج عليه، وقرا " ناقة الله وسقناها " بالنون، فعزل عن القضاء سنة ست وأربعين.
وولي أبو الحجاج بن أيوب المغربي إلى أن مات سنة إحدى وعشرين.
وولي أبو عبد الله محمد بن هبة الله بن الميسر القيرواني، ولقب القاضي الأمير سناه الملك شرف الأحكام قاضي القضاة عمدة أمير المؤمنين، قال في تاريخ مصر: وهو الذي أخرج الفستق الملبس بالحلوى، ثم صرف في ربيع الأول سنة ست وعشرين.
وولي أبو الفخر صالح بن عبد الله بن رجاء، ثم صرف في جمادى الآخرة.
وولي سراج الدين نجم بن جعفر إلى أن قتل في شوال سنة ثمان وعشرين.
وأعيد ابن الميسر، ثم صرف في المحرم سنة إحدى وثلاثين.
وولي الأعز أبو المكارم أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عقيل إلى ان مات في شعبان سنة ثلاث وثلاثين وأقام الحكم [بعده شاغرا] ثلاثة أشهر.
ثم اختير أبو العباس أحمد بن الحطئة، فاشترط ألا يحكم بمذهب الدولة، فلم يمكن من ذلك.
وولي فخر الأمناء هبة الله بن حسين الأنصاري؛ يعرف بابن الأزرق في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين.
وولي أبو الطاهر إسماعيل بن سلامة الأنصاري، ثم صرف في المحرم سنة ثلاث وأربعين.
وولي أبو الفضل يونس بن محمد بن حسن المقدسي، ثم صرف سنة سبع وأربعين.
وولي عبد المحسن بن محمد بن مكرم، ثم صرف.
ثم ولي أبو المنجم بدر بن غالي.
ثم ولي أبو المعالي مجلي بن جميع الشافعي صاحب الذخائر، فأقام إلى سنة تسع وأربعين، ثم صرف.
وأعيد أبو الفضائل يونس ثم صرف.
وولي المفضل أبو القاسم جلال الدين هبة الله بن عبد الله بن كامل بن عبد الكريم الصوري، في شعبان سنة سبع وأربعين ثم صرف في المحرم سنة ثمان وأربعين.
وأعيد أبو الفضائل يونس، ثم صرف في ذي الحجة من السنة.
وأعيد ابن كامل، ثم صرف في ربيع الأول سنة تسع وأربعين.
وولي الأعز أبو محمد الحسن بن علي بن سلامة المصري ثم صرف.
وولي أبو الفتح عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي، ثم صرف.
وأعيد ابن كامل في ذي الحجة سنة أربع وستين، فلما استولى الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب على القاهرة، وزيراً عن العاضد، أزال دولة الرفض والشيعة، وصرف ابن كامل.
وولي صدر الدين عبد الملك بن درياس الكردي الشافعي قضاء القضاة بالقاهرة، وذلك في سنة ست وستين وأربعمائة، فأقام إلى أن صرف بعد وفاة صلاح الدين في ربيع الأول في سنة تسعين في أيام العزيز.
وولي في سنة خمس وتسعين وأربعمائة محيي الدين محمد أبو حامد بن الشيخ شرف الدين عبد الله بن هبة الله بن أبي عصرون؛ ثم صرف في سنة إحدى وتسعين.
وولي زين الدين علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي، ثم عزل في جمادى الأولى من السنة.
وأعيد ابن أبي عصرون، ثم عزل في محرم سنة اثنتين وتسعين.
وأعيد ابن بندار، ثم صرف في محرم سنة أربع وتسعين.وأعيد صدر الدين، ثم صرف في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين. (1/265)
وأعيد زين الدين بن بندار؛ وذلك لما انتزع الملك الأفضل علي بن السلطان صلاح الدين بن أيوب مملكة مصر من ابن أخيه المنصور محمد العزيز عثمان؛ وكتب له الصاحب ضياء الدين نصر الله بن الأثير الجزري تقليدا، هذا صورته: )رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن اعمل صالحاً ترضاه وتدخلني برحمتك في عبادك الصالحين(. من السنة أن تفتتح صدور التقليدات بدعاء يعم بفضله، ويكون وزاناً للنعمة الشاملة من قبله، وخير الأدعية ما أجرم الله على لسان نبي من أنبيائه أو رسول من رسله، وكذلك جعلنا من هذا التقليد الذي أمضى الله قلمنا في كتابه، وصرف أمرنا في اختيار أربابه، ثم صلينا على رسوله محمد الصادع بخطابه، الساطع بشهابه، الذي جعلت الملائكة من أحزابه، وضرب له المثل بقلب قوسين في اقترابه؛ وعلى آله وصحبه الذين منهم من خلفه في محرابه، ومنهم من كملت به عدة الأربعين من أصحابه، ومنهم من جعل أثواب الحياء من أثوابه، ومنهم من بشر انه من أحباب الله واحبائه، أما بعد: فأن منصب القضاء في المناصب بمنزلة المصباح الذي به يستضاء، أو بمنزلة العين التي عليها تعتمد الاعضاء؛ وهو خير ما رقمت به الدول مسطور كتابها، وأجزلت به مذخور ثوابها، وجعلته بعد الأعقاب كلمة باقية في أعقابها. وقد جعله الله ثاني البنوة حكما، ووارثها علما؛ والقائم بتنفيذ شرعها ما دام الإسلام يسمى، لا يستصلح له إلا الواحد الذي يعد محفلا، وإذا جاءت الدنيا بأسرها خفت على أنمله، وقد أجلنا النظر مجتهدين، وعولنا على توفيق الله معتضدين، وقدمنا قبل ذلك صلاة الاستخارة وهي سنة متبوعة، وبركة في الأعمال موضوعة؛ لا جرم أنا أرشدنا في أثرها إلى من صرح الرشد فيه بآثاره، وقال الناس هذا هو الذي جاء على فترة من وجود انتظاره؛ وهو أنت أيها القاضي فلان، مهد الله لجنبك، وجعل التوفيق من صحبك، وانزل الحكمة على يدك ولسانك وقبلك؛ وقد قلدناك هذا المنصب بمدينة مصر وأعمالها، وهي مصر من الأمصار تجمع وجوهاً وأعياناً، وقد رسم بأنه كرسي مملكته عزاً وتبياناً، وعظمت سلطانا، ولما قلدناك هو علمنا أنه سيعود وهو بك غض طري، وإن ولايته نيطت منك بكفء فهي بك حرية وأنت بها حرى، ممن طلبها ومن الناس فإنها لم تكن عندك مطلوبة، ومن انتسب في وجاهته إليها فليست وجاهتك إليها منسوبة، وما أردت بها شيئا سوى تحمل الأثقال، وبيع الراحة بالتعب في الأشغال؛ وتعريض النفس لمضاضة الضيم والحيف، والوقوف على الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف؛ ولكنك في خلال ذلك تشتري الجنة بساعة من ساعاتك، وإذا رعيت مقام ربك فقد أرصدته لمارعاتك؛ وليس في الأعمال الصالحة أقوم من إحياء حق وضع في لحده، أورد حق مطلت الأيام برده.
فاستخر الله تعالى، وتول ما وليناك بعزيمة لأنك بها شامة، ولا تأخذها في الله ملامة. وهذا زمان قد تلاشت فيه العلوم، وعفت رسوم الشريعة حتى صارت كالرسوم، ومشت الأمة المطيطي وخلفها ابنا فارس والروم؛ وإذا نظر إلى دين الله وجد وقد خلط أمره خلطا، وتخطى رقاب الناس من هو جدير بان يتخطى، وآذنت الساعة بالاقتراب حتى كاد أن يستوي ما بين السبابة والوسطى؛ والمتصدي لحفظه يعد ثقله بثقلين، وفضله بفضلين، ويؤتيه الله من رحمته كفلين، وحق له أن يتقدم على السلف الصالح الذي كان كثيراً رشده، حسنا هديه وقصده، وكان قريباً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فان أولئك لم يؤتوا من جهالة، ولا حرموا من مقالة، ولا حدث في زمانهم بدعة وكل بدعة ضلالة، ونحن نرجو ان يكون ذلك الرجل الذي وزن بالناس فرجح وزنه، وسبق القرون الأولى وإن تأخر قرنه. ولقد ألبسنا الله بك لباساً يبقى جديداً، ويسرنا للعمل الذي يكون محضرا، لا للعمل الذي نود لو أن بيننا وبينه أمدا بعيدا. وإياك ثم إياك أن تقف معنا موقف الاعتذار، وما نخشى عليك إلا الشيطان الناقل للطباع في تقليب الأطوار، ولطالما أقام عابداً من مصلاه، وغره بامتساك حبله ودلاه، ولمكانتك عندنا اضربنا عن وصيتك صفحاً، وتوسمنا أن صدرك قد شرحه الله فلم نزده شرحاً؛ والذي تضمنه تقليد غيرك من الوصايا لم يسفر إلا عن نقاب خطأ الأقلام، وقصر أقوالها عن المماثلة من مراتب أولى التعليم وبين العلماء الاعلام، ولا يفتقر إلى ذلك إلا من ثقل منصب القضاء على كاهله، وقضى جهله بتحريمه عليه، وفرق بين عالم أمرٍ وجاهله. (1/266)
وأما أنت فإن علم القضاء بعض ناقبك، وهو من أوانسك لا من غرائبك؛ لكن عندنا أربع من الوصايا لابد من الوقوف فيها على سنن التوقيف، وإبرازها إلى الأسماع في لباس التحذير والتخويف: فالأولى منهن، وهي المهم الذي زاغت عنه الأبصار، وهلك من هلك فيه من الابرار، ولربما سمعت هذا القول فظننته مما تجوز في مثله القائلون، وليس كذلك بل هو نبا عظيم انتم غافلون، وسنقصه عليك كما فوضناه إليك؛ وذلك هو التسوية في الحكم بين أقوالك وأفعالك، والأخذ من صديقك لعدوك ومن يمينك لشمالك. وقد علمت انه لم تخل دولة من الدول من قوم يعرفون بطيش الحلوم، ويغترون بقرب السلطان وهو ظل عليهم ولا يدوم، وإذا دعوا لمجلس الحكم حملهم البطر والأشر على الامتناع من مساواة الخصوم، ولا يفرق بين هؤلاء وبين ضعيف لا يرفع يداً ولا طرفا، ولا يملك عدلاً ولا صرفاً؛ ونحن نبرأ من مخالفة الدرجات في حكم العزيز الحكيم، ولعن الله اليهود الذين نسخوا آية الرجم بما أحدثوه من التجبية والتحميم، وقد بسطنا يدك بسطا ليس له انقباض، ولا عليه اعتراض؛ وأنت القاضي الذي لا يكون اسمك منقوصاً فيقال فيه إنك قاض. وإذا استقللت بهذه الوصية، فانظر فيما يليها من أمر الوكلاء القائمين بمجلس الحكم الذين لا ترد أحداً منهم إلا خلياً لوياً، أو خادعا خلويا، وإذا اعتبرت أحوالهم وجدوا عذابا على الناس مصبوباً ولا يتم لهم إلا في ستر القضايا ونعيمها، ولا ينحون في شيء منها إلا نحو إمالتها وترخيمها؛ فارح الناس من هذه الطائفة المعروفة بنصب الحبالة، التي تأكل الرشاء وتخرجها في مخرج الجعالة، وطهر منها مجلسك الذي ليس بمجلس ظلم وزور وإنما هو مجلس عدل وعدالة؛ ومن العدل ان يخلى بين الخصوم حتى يكافح بعضهم بعضا، والمهل في مثل هذا المقام لرعي الرعاية لما يقضي؛ وغن كان أحدهم ألحن بحجته فكله إلى عالم الأسرار، وإذا حكمت له بشيء من حق أخيه فلا تنال ان تقطع له قطعة من النار.
وكذلك فانظر في الوصية المختصة بالشهداء؛ فإنهم قد تكاثرت أعدادهم وأهمل انتقادهم وصار منصب الشهادة يسأله وسؤاله من الحرام لا من الحلال، وأصبح وهو يورث عن الآباء والأولاد والوراثة تكون في الأموال، والشاهد دليل يمشي القضاء على منهاجه، ويستقيم باستقامته ويعوج بإعوجاجه؛ فانف كل من شانتك منه شائنة، أو رابتك منه رائبة، وعليك منهم بمن تخلق بخلق الحياء والورع، واخذ بالقول الذي على مثلها فاشهد أو فدع.
وأما الوصية الرابعة فإنها مقصورة على كاتب الحكم الذي غليه الإيراد والإصدار، وهو المهيمن على النقض والإمرار؛ وينبغي أن يكون عارفا بالحلي والوسوم والحدود والرسوم، وان يكون فقيها في البيوع والمعاملات، والدعاوي والبينات؛ ومن ادنى صفاته أن يكون قلمه سائحاً، وخطه واضحا؛ وإذا استكمل ذلك فلا يستصلح حتى يكون العفاف شعاره، والأمانة عياره، والحفظ والعلم سوره وسواره، وهذا الرجل إن خلوت به فامض يده فيما يقول ويفعل، واستتم إليه استتامة الواثق الذي لا يخجل؛ والله يختار لنا فيما بيناه من المراشد، ويجعل أقوالنا ثمارا يانعة إذا كانت الأقوال من الحصائد. (1/267)
وبعد أن بوأناك هذه المكانة، وحملناك هذه الأمانة، فقد رأينا أن نجمع لك من تنفيذ الأحكام وحفظ أصولها، وألا نخليك من النظر في دليلها ومدلولها؛ فإن الترك يوحش العلوم من معهود أماكنها، ويذهب بها من تحت أقفال خزائنها، ومنصب التدريس كمنصب القضاء أخ يشد من عضده، ويكثر من عدده؛ فتول المدرسة الفلانية عالماً أنك قد جمعت بين سيفين في قراب، وسلكت بابين إلى تحصيل الثواب، وركبت أعز مكان وهو تنفيذ الحكم وجالست خير جليس وهو الكتاب.
ونحن نوصيك بطلبة العلم وصيتين؛ إحداهما اعظم من الأخرى؛ وكلتاهما ينبغي ان تصرف إليهما من اهتمامك شطرا؛ فالأولى أن تتخولهم في أوقات الاشتغال، وتكون لهم كالرائض الذي لا يبسط لهم بساط الراحة ولا يكلفهم مشقة الكلال. والثانية أن تدر عليهم أرزاقهم إدرار المسامح، وتنزلهم فيها على قدر الإفهام والقرائح؛ وعند ذلك لا تعدم منهم منبعا في كل حين، ويسرك في حاتيه من دنيا ودين؛ والله يتولاك فيما تنويه صالحة، ويوفقك للعمل بها لا لأن يكون في قلبك سانحة. وقد فرضنا لك في بيت المال قسما طيبا مكسبه، هنيئا مأكله ومشربه؛ لا تعاقب غدا على كثيرة، وإن حوسبت على فتيله ونقيره. والمفروض في هذا المال ينبغي أن يكون على قدر الكفاف لا على نسبة الأقدار، ورب متخوض فيما شان نفسه من مال الله ومال رسوله ليس له في الآخرة إلا النار؛ والدنيا حلوة خضرة تلعب بذوي الألباب، وعلاقاتها بتجدد الأيام فلا تنتهي الآراب منها إلا إلى آراب. ومن أراد الله به خيراً لم يسلك إليها، وغن سلك كان كمن استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، ونحن نخلص الضراعة والمسألة في السلامة من تبعاتها، وان نوفق لرعي ولاية العدل والإحسان إذ جعلنا من رعاتها.
وهذا التقليد ينبغي أن يقرأ في المسجد الجامع بعد أن يجمع له الناس على اختلاف المراتب، ما بين الأباعد والأقارب، والعراقيب والذوائب، والاشائب وغير الاشائب؛ ولتكن قراءته بلسان الخطيب وعلى منبره، وليقل: هذا يوم رسم بجميل صيته واعتضاض محضره؛ ثم بعد ذلك فأنت مأخوذ بتصفح مطلوبه على الأيام، وإثباته في قلبك بالعلم الذي لا يمحي سطره إذا محيت سطور الأقلام.
واعلم أنا غدا وإياك بين يدي الحكم العدل الذي تكف لديه الألسنة عن خطابها، وتستنطق الجوارح بالشهادة على اربابها، ولا ينجو منه حينئذ إلا من أتى بقلب سليم؛ وأشفق من قول نبيه: " لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " .
والله يأخذ بناصية كل منا إليه، ويخرجه من هذه الدنيا كفافاً لا له ولا عليه، والسلام.
فولى عماد الدين بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن السكري مصنف الحواشي على الوسيط، ثم صرف في المحرم سنة ثلاث عشرة، لأنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع.
قال القاضي تاج الدين السبكي في الطبقات الكبرى: وبلغني أنه كان في زمانه رجل صالح يقال له الشيخ عبد الرحمن النويري، وكان كثير المكاشفات والحكم بها، وكان القاضي عماد الدين ينكر عليه؛ فبلغ القاضي أنه أكثر الحكم بالمكاشفات، فعزله، فقال النويري: عزلته وذريته. فكان كما قال.
وبلغني عن الظهير التزمنتي شيخ ابن الرفعة، قال: زرت قبر القاضي عماد الدين بعد موته بأيام، فوجدت عنده فقيرا، فقال لهم: يا فقهيه، يحشر العلماء وعلى رأس كل واحد منهم لواء، وهذا القاضي عماد الدين منهم؛ وطلبته فلم أره.
وولي بعده شرف الدين محمد بن عبد الله الإسكندراني المعروف بابن عين الدولة قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري، وتاج الدين عبد السلام بن الخراط مصر والوجه القبلي، ثم صرف ابن الخراط في شعبان سنة سبع عشرة وستمائة، وجميع العملان لابن عين الدولة.
ثم صرف ابن عين الدولة عن مصر والوجه القبلي بالقاضي بدر الدين يوسف ابن الحسن السنجاري في ربيع الآخر تسع وثلاثين وبقى قاضيا بالقاهرة والوجه البحري فقط. (1/268)
وفي زمنه اتفقت الحكاية التي اتفقت في زمان الإمام محمد بن جرير الطبري؛ وهو أن امرأة كادت زوجها، فقالت: إن كنت تحبني فأحلف بطلاق ثلاثا: مهما قلت لك تقول مثله في ذا المجلس؛ فخلف، فقالت له: أنت طالق ثلاثا، قل كما قلت لك. فأمسك، وترافعا إلى ابن عين الدولة، فقال: خذ بعقصتها: وقل: أنت طالق ثلاثاً إن طلقتك.
قال ابن السبكي: وكأنهما ارتفعا إليه في المجلس؛ وكان بمصر مغنية تدعى عجيبة، قد أولع بها الملك الكامل، فكانت تحضر إليه ليلا وتغنيه بالجنك على الدف في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره. ثم اتفقت قضية شهد فيها الكامل عند ابن عين الدولة، وهو في دست ملكه، فقال ابن عين الدولة: السلطان يأمر ولا يشهد، فأعاد عليه القول، فلما زاد الامر، وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته، قال: أنا اشهد، تقبلني أم لا؟ فقال القاضي: لا ما أقبلك، وكيف أقبلك وعجيبة تطلع إليك بجنكها كل ليلة! وتنزل ثاني يوم بكرة وهي تتمايل سكرى على أيدي الجواري، وينزل ابن الشيخ من عندك! أيحسن ما نزلت، فقال له السلطان: يا كيواج - وهي كلمة شتم بالفارسية - فقال: ما في الشرع يا كيواج، اشهدوا على أني قد عزلت نفسي ونهض. فقام ابن الشيخ إلى الملك الكامل، وقال: المصلحة إعادته لئلا يقال: لأي شيء عزل القاضي نفسه؟ وتطير الأخبار إلى بغداد، ويشيع أمر عجيبة! ونهض إلى القاضي، وترضاه، وعاد إلى القضاء. ومن شعره:
وليت القضاء وليت القضاء ... لم يك شيئاً توليته
وقد ساقني للقضاء القضاء ... وما كنت قدماً تمنيته
وأقام إلى أن توفى في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة.
فولي بعده قضاء القاهرة بدر الدين يوسف السنجاري.
وولي الشيخ عز الدين بن عبد السلام قضاء مصر والوجه القبلي، وكان قدم في هذه السنة من دمشق بسبب أن سلطانها الصالح إسماعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف. فأنكر عليه الشيخ عز الدين، وترك الدعاء له في الخطبة، وساعده في ذلك الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكي، فغضب السلطان منهما، فخرجا إلى الديار المصرية فأرسل السلطان إلى الشيخ عز الدين؛ وهو في الطريق قاصدا يتلطف به في العود إلى دمشق، فاجتمع به ولاينه، وقال له: ما نريد منك شيئاً إلا أن تنكسر للسلطان، وتقبل يدع لا غير. فقال الشيخ له: يا مسكين، ما أرضاه يقبل يدي فضلا عن أن اقبل يده! يا قوم، أنتم في واد وأنا في واد! والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم. فلما وصل إلى مصر، تلقاه سلطانها الصالح نجم الدين أيوب وأكرمه، وولاه قضاء مصر، فاتفق أن أستاداره فخر الدين عثمان بن شيخ الشيوخ - وهو الذي كان إليه أمر المملكة - عمد إلى مسجد بمصر، فعمل على ظهره بناء طبلخاناه، وبقيت تضرب هناك، فلما ثبت هذا عند الشيخ عز الدين حكم بهدم ذلك البناء، وأسقط فخر الدين، وعزل نفسه من القضاء، ولم تسقط بذلك منزلة الشيخ عند السلطان، وظن فخر الدين وغيره إن هذا الحكم لا يتأثر به في الخارج، فاتفق أن جهز السلطان رسولا من عنده إلى الخليفة المستعصم ببغداد، فلما وصل الرسول إلى الديوان، ووقف بين يدي الخليفة، وأدى الرسالة له، خرج إليه، وسأله: هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال: لا، ولكن حملنيها عن السلطان فخر الدين بن شيخ الشيوخ أستاداره، فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه أبن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته. فرجع الرسول إلى السلطان حتى شافهة بالرسالة، ثم عاد إلى بغداد، وأداها. ولما تولى الشيخ عز الدين القضاء تصدى لبيع أمراء الدولة من الأتراك، وذكر أنه لم يثبت عنده إنهم أحرار، وإن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلغهم ذلك، فعظم الخطب عندهم، وأجترم الأمر، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا، وتعطلت مصالحهم لذلك؛ وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: نعقد لكم مجلساً، وننادي عليكم لبيت مال المسلمين، فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه فلم يرجع، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب، وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ويبيعنا ونحن ملوك الأرض! والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج. فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي إيش تعمل؟ فقال: أنادي عليكم وأبيعكم، قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال: في مصالح المسلمين، قال: من يقبضه؟ قال: أنا. (1/269)
فتم ما أراد، ونادى على الأمراء واحدا واحدا، وغالى في ثمنهم ولم يبيعهم إلا بالثمن الوافي، وقبضه وصرفه في وجوه الخير.
وأتفق له في ولايته القضاء عجائب وغرائب، وفيه يقول الأديب أبو الحسين يحيى أبن عبد العزيز الجزار:
سار عبد العزيز في الحكم سيراً ... لم يسره سوى أبن عبد العزيز
عمنا حكمه بعدل وسيط ... شامل الورى، ولفظ وجيز
ولما عزل الشيخ نفسه عن القضاء، تلطف السلطان في رده إليه، فباشره مدة، ثم عزل نفسه منه مرة ثانية، وتلطف مع السلطان في إمضاء عزله، فأمضاه وأبقى جميع نوابه من الحكام، وكتب لكل حاكم تقليدا، ثم ولاه تدريس مدرسته التي أنشأها بين القصرين.
وولي بعده أفضل الدين محمد الخونجي صاحب المنطق والمعقولات، فأقام إلى أن مات في رمضان سنة ست وأربعين وستمائة، ورثاه العز الإربلي بقصيدة أولها:
قضى أفضل الدنيا، نعم وهو فاضل ... وماتت بموت الخونجي الفضائل
وكان يخلفه على الأحكام الجمال يحيى، فلم يزل إلى أن تولى القاضي عماد الدين القاسم بن إبراهيم بن هبة الله الحموي، فبقى إلى أن صرف في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين.
وتولى القاهرة وصرف عنها القاضي بدر الدين، ورتب قاضيا بمصر والوجه القبلي صدر الدين موهوب بن عمر الجزري، وكان نائبا عن الشيخ عز الدين ثم صرف. (1/270)
وأعيد القاضي عماد الدين الحموي بمصر، ورتب بالقاهرة بدر الدين السنجاري، وذلك في رجب سنة ثمان وأربعين، ثم بعد ذلك بأيام يسيرة أضيف له مصر أيضا، وذلك في شوال من السنة. ثم صرف عنه القضاء بمصر، وكان يخلفه أخوه برهان الدين وذلك في رمضان سنة أربع وخمسين.
ورتب فيه تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز، ثم صرف السنجاري عن القاهرة أيضا، وأضيف لأبن بنت الأعز إلى أن توفى الملك المعز.
فرتب في القاهرة البدر السنجاري في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين، وبقى مع أبن بنت الأعز مصر خاصة.
ثم أضيف قضاء مصر أيضا إلى السنجاري في رجب من السنة، فأقام إلى جمادى الأولى سنة تسع وخمسين، فعزل.
وأعيد تاج الدين بن بنت الأعز لقضاء مصر والقاهرة معا، ثم في شوال سنة إحدى وستين عزل أبن بنت الأعز عن قضاء مصر وحدها.
ووليه برهان الدين الخضر بن الحسن السنجاري، وبقي مع أبن بنت الأعز قضاء القاهرة، فلم يزل إلى رمضان سنة اثنتين وستين.
فصرف قضاء مصر عن السنجاري، وأضيف إلى أبن بنت الأعز، فلم يزل على هذه الولاية إلى أن مات يوم الأحد سابع عشر رجب سنة خمس وستين.
قال أبن السبكي في الطبقات الكبرى: وفي ولايته هذه جدد الملك الظاهر بيبرس القضاة الثلاثة من كل مذهب: قاض في القاهرة، ثم في دمشق، وكان سبب ذلك أنه سأل القاضي تاج الدين في أمر، فامتنع من الدخول فيه، فقيل له: مر نائبك الحنفي، وكان القاضي هو الشافعي يستنيب من شاء من المذاهب الثلاثة، فامتنع من ذلك، فجرى ما جرى، وكان الأمر متمحضا للشافعية، فلا يعرف أن غيرهم حكم في الديار المصرية منذ وليها أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي في سنة أربع وثمانين إلى أن مات الظاهر، إلا أن يكون نائب بعض القضاة الشافعية في جزئية خاصة، وكذا دمشق لم يلها بعد أبي زرعة المشار إليه إلا شافعي.
قال أبن ميسر في تاريخ مصر: في سنة خمس وعشرين وخمسمائة رتب أبو أحمد بن الأفضل في الحكم أربع قضاة، يحكم كل قاض بمذهبه، ويورث بمذهبه، فكان قاضي الشافعية سلطان بن رشا، وقاضي المالكية أبا محمد عبد المولى بن اللبنى، وقاضي الإسماعيلية أبا الفضل بن الأزرق، وقاضي الإمامية أبن أبي كامل، ولم يسمع بمثل هذا.
وقال أبن ميسر: وقد تجدد في عصرنا هذا الذي نحن فيه أربع قضاة على الأربعة مذاهب. انتهى.
قال أبن السبكي: وقال أهل التجربة: إن هذه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية، متى كانت البلد فيها لغير الشافعية خربت، ومتى قدم سلطانها غير أصحاب الشافعي زالت دولته سريعا. قال: وكأن هذا السر جعله الله في هذه البلاد، كما جعله الله لمالك في بلاد المغرب، ولأبي حنيفة فيما وراء النهر.
قال: وسمعت الشيخ الإمام الوالد يقول: سمعت الشيخ صدر الدين بن المرحل يقول: ما جلس على كرسي مصر غير شافعي إلا قطز، كان حنفيا، ومكث يسيرا وقتل، وأما الظاهر فقلد الشافعي يوم ولاية السلطنة، ثم لما ضم القضاء إلى الشافعي استثنى للشافعي الأوقاف وبيت المال والنواب وقضاة البر والأيتام، وجعلهم الأرفعين، ثم إنه ندم على ما فعل. وذكر أنه رأى الشافعي في النوم لما ضم إلى مذهبه بقية المذاهب، وهو يقول: تهين مذهبي! البلاد لي أو لك! قد عزلتك، وعزلت ذريتك إلى يوم الدين. فلم يمكث إلا يسيرا ومات، ولم يمكث ولده السعيد إلا يسيرا، وزالت دولته، وذريته إلى الآن فقراء، هذا كلام أبن السبكي.
قال: وجاء بعده قلاوون، وكان دونه تمكنا وعرفة، ومع ذلك مكث الأمر فيه وفي ذريته إلى هذا الوقت، وفي ذلك أسرار الله لا يدركها إلا خواص عباده.
قال: وقد حكى أن الظاهر رئى في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: عذبني عذابا شديدا لجعلي القضاة أربعة، وقال: فرقت كلمة المسلمين.
وقال أبو شامة: لما بلغهم ضم القضاة الثلاثة لم يقع مثل هذا في ملة الإسلام قط، وكان أحداث القضاة الثلاثة في سنة ثلاث وستين وستمائة؛ وأقام أبن بنت الأعز قاضيا إلى أن توفي سنة خمس وستين، وكان شديد التصلب في الدين، فكان الأمراء الكبار يشهدون عنده فلا يقبل شهادتهم؛ وكان ذلك أيضا من جملة الحوامل على ضم القضاة الثلاثة إليه. وحكي أنه ركب وتوجه إلى القرافة، ودخل على الفقيه مفضل، حتى تولى عنه الشرقية، فقيل له: تروح إلى شخص حتى توليه، فقال: لو لم يفعل لقبلت رجله حتى يقبل، فإنه يسد عني ثلمة من جهنم. (1/271)
قال أبن السبكي: وكان يقال إن القاضي تاج الدين آخر قضاة العدل؛ واتفق الناس على عدله؛ وقد اجتمع له من المناصب الجليلة ما لم يجتمع لغيره؛ فإنه ولي خمس عشرة وظيفة: القضاء، والوزارة، ونظر الأحباس، وتدريس الشافعية، والصالحية، والحسبة، والخطابة، ومشيخة الشيوخ، وإمامة الجامع.
وولي بعده مصر والوجه القبلي محي الدين عبد الله بن القاضي شرف الدين بن عين الدولة، والقاهرة والوجه البحري تقي الدين محمد بن الحسن بن رزين، ثم مات أبن عين الدولة في رجب سنة ثمان وسبعين، وعزل أبن رزين في رجب أيضا سنة ثمان وسبعين لكونه توقف في خلع الملك السعيد.
وولي صدر الدين عمر بن القاضي تاج الدين بن بنت الاعز، فمشى على طريقه والده في التحري والصلابة، ثم عزل نفسه في رمضان سنة تسع وسبعين.
وأعيد ابن رزين فأقام إلى أن مات في رجب سنة ثمانين، وولي بعده وجيه الدين عبد الوهاب بن الحسين البهنسي قضاء الديار المصرية، ثم عزل عن القاهرة والوجه البحري، واستمر على قضاء مصر والوجه القبلي، إلى أن توفي سنة خمس وثمانين.
وولي القاهرة بعد عزله عنها شهاب الدين بن الخوئي، فأقام إلى أول سنة ست وثمانين، فعزل.
وولي بعده برهان الدين الخضر السنجاري، فأقام شهرا، ثم توفى.
وولي بعده تقي الدين عبد الرحمن بن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز، مضافا لما كان معه من قضاء مصر؛ فإنه وليه بعد موت البهنسي، وكان من أحسن القضاة سيرة، وكان أبن السلموس وزير الملك الأشرف يكرهه؛ فعمل عليه، ورتب من شهد عليه بالزور بأمور عظام، منها أنهم أحضروا شابا حسن الصورة، واعترف على نفسه بين يدي السلطان بأن القاضي لاط به، وأحضروا من شهد بأنه يحمل الزنار في وسطه، فقال القاضي: أيها السلطان كل ما قالوه ممكن؛ لكن حمل الزنار لا يعتمده النصراني، تعظيما ولو أمكنه تركه لتركه؛ فكيف أحمله! ثم عزل القاضي، وكان رجلا صالحا لا يشك فيه، بريئا من كل ما رمي به.
وولي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة؛ وذلك في رمضان سنة تسعين وستمائة، فتوجه القاضي تقي الدين إلى الحجاز، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة، وكشف رأسه، ووقف بين يدي الحجرة الشريفة، واستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأقسم عليه إلا يصل إلى وطنه إلا وقد عاد إلى منصبه، فلم يصل القاهرة إلا والأشرف قد قتل، وكذلك وزيره، فأعيد إلى القضاء، ووصل إليه الخبر بالعود قبل وصوله إلى القاهرة، وذلك في أول سنة ثلاث وتسعين؛ فأقام في القضاء إلى أن مات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين.
وولي بعده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد بعد امتناع شديد، حتى قالوا له: إن لم تفعل ولوا فلانا أو فلانا - لرجلين لا يصلحان للقضاء - فرأى أن القبول واجب عليه حينئذ. ذكره الإسنوي في الطبقات. قال ابن السبكي: وعزل نفسه غير مرة ثم يعاد. قال الإسنوي: وكانت القضاة يخلع عليهم الحرير، فامتنع الشيخ من لبس الخلعة، وأمر بتغييرها إلى الصوف، فاستمرت إلى الآن. وحضر مرة عند السلطان لاجين، فقام إليه السلطان، وقبل يده؛ فلم يزده على قوله: أرجوها لك بين يدي الله. وكان يكتب إلى نوابه، ويعظهم ويبالغ في وعظهم، ومع ذلك رآه بعض خيار أصحابه في المنام وهو في مسجد، فسأله عن حاله، فقال: أنا معوق ها هنا بسبب نوابي. هذا مع الاحتراز التام والكرامات الصحيحة الثابتة عنه. فهذا كله كلام الإسنوي.
ومن لطائفه ما كتب إلى نائبه بإخميم: صدرت هذه المكاتبة إلى مجلس مخلص الدين، وفقه الله تعالى لقبول النصيحة، وآتاه لما يقربه إليه قصدا صحيحا ونية صحيحة، وأصدرناه إليه بعد حمد الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويمهل حتى لا يلتبس الإمهال بالإهمال على المغرور؛ وتذكره بأيام الله )وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون(، ونحذره صفقة من باع الآخرة بالدنيا فما أحد سواه مغبون؛ عسى الله أن يرشده بهذا التذكار وينفعه، وتأخذ هذه النصائح بحجزته عن النار؛ فأني أخاف أن يتردى فيخر من ولاه معه. والعياذ بالله. والمقتضى لإصدارها ما لمحناه من الغفلة المستحكمة على القلوب، ومن تقاعد الهمم مما يجب للرب على المربوب، ومن انسهم بهذه الدار وهم يزعجون عنها، وعلمهم بما بين أيديهم من عقبة كؤود وهم لا يتخففون منها. ولا سيما القضاة الذين تحملوا أعباء الأمانة على كواهل ضعيفة، وظهروا بصور كبار وهمم نحيفة، ووالله إن الأمر عظيم، والخطب جسيم؛ ولا أرى مع ذلك أمنا ولا قرارا، ولا راحة ولا استمرارا، اللهم إلا رجلا نبذ الآخرة وراه، واتخذ إلهه هواه، وقصر همه وهمته على حظ نفسه ودنياه، فغاية مطلبه حب الجاه. والرغبة في قلوب الناس وتحسين الزي والملبس، والركبة والمجلس، غير مستشعر خساسة حاله ولا ركاكة مقصده، فإنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور. (1/272)
فاتق الله الذي يراك حين تقوم، واقصر أملك عليه فإن المحروم من فضله غير مرحوم، وما أنا وإياكم أيها النفر إلا كما قال حبيب العجمي وقد قال له قائل: ليتنا، لم نخلق! قال: قد وقعتم فاحتالوا!.
وإن خفي عليك مثل هذا الخطر، وشغلتك الدنيا عن معرفة الوطر، فتأمل كلام النبوة: " القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار " ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر مشفقا عليه: " ا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " وما أنا والسير في متلف مبرح بالذاكر الضابط، هيهات جف القلم، ونفذ حكم الله، فلا راد لما حكم. إيه، ومن هناك شم الناس من فم الصديق رائحة الكبد المشوي. وقال الفاروق: ليت أم عمر لم تلده! وقال على والخزائن مملوءة ذهبا وفضة: من يشتري سيفي هذا ولو وجدت ما أشترى به رداء ما بعته. وقطع الخوف نياط قلب عمر بن عبد العزيز فمات من خشية العرض، وعلق بعض السلف سوطا يؤدب به نفسه إذا فتر. فترى ذلك سدى، أم نحن المقربون وهم البعداء! فهذه أحوال لا تؤخذ من كتاب السلم، والإجارة، والجنايات، وإنما تنال بالخضوع والخشوع، وأن تظمأ وتجوع.
ومما يعينك على الأمر الذي دعوتك إليه، ويزودك في السفر المعرض عليه، أن تجعل لك وقتا وتعمره بالتذكر والتفكر، وإنابة تجعلها معدة لجلاء قلبك، فإنه إن استحكم صداه صعب تلافيه، وأعرض عنه من هو أعلم بما فيه.
فأجعل أكثر همومك الاستعداد ليوم المعاد، والتأهب لجواب الملك الجواد، فإنه يقول: )فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون(.
ومهما وجدت من همتك قصوراً، واستشعرت من نفسك عما بدا لها نفورا، فاجررها إليه وقف ببابه وأطلب، فإنه لا يعرض عمن صدق، ولا يعزب عن علمه خفايا الضمائر )ألا يعلم من خلق(.
فهذه نصيحتي إليك، وحجتي بين يدي الله إن فرطت إذا سئلت عليك؛ فنسأل الله لي ولك قلبا شاكرا، ولساناً ذاكراً، ونفسا مطمئنة بمنه وكرمه، وخفي لطفه، والسلام.
واستمر الشيخ إلى أن توفى في صفر سنة اثنتين وسبعمائة.
وأعيد بعده القاضي بدر الدين بن جماعة، ثم صرف في ربيع الأول سنة عشر وسبعمائة.
وولي جمال الدين بن عمر الزرعي، ثم صرف.
وأعيد ابن جماعة في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، فلم يزل إلى أن عمي سنة سبع وعشرين.
فولى بعده جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني مصنف التلخيص في المعاني والبيان، فأقام مدة ثم صرف في سنة ثمان وثلاثين.
وولي بعده عز الدين بن القاضي بدر الدين بن جماعة، فاستمر إلى سنة تسع وخمسين، فعزل بواسطة صرغتمش.
وولي مكانه بهاء الدين بن عبد الله بن عقيل مؤلف شرح الألفية وشرح التسهيل، فأقام ثمانين يوما وصرف.
وأعيد ابن جماعة، فولى على كره منه، واستمر يطلب الإقالة إلى جمادى الأولى سنة ست وستين، فعزل نفسه، وصمم على عدم العود، ونزل إليه الأمير الكبير يلبغا إلى داره، ودخل عليه أن يعود فأبى.
فولي مكانه بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي، فأقام إلى أن عزل في سنة ثلاث وسبعين. (1/273)
وولي بعده برهان الدين إبراهيم بن جماعة، ثم عزل نفسه، وولي بدر الدين محمد بن القاضي بهاء الدين بن عبد البر السبكي في صفر سنة تسع وسبعين.
ثم أعيد البرهان بن جماعة في سنة إحدى وتمانين، ثم أعيد البدر بن أبي البقاء في صفر سنة أربع وثمانين، ثم ولي ناصر الدين محمد بن الميلق في شعبان سنة تسع وثمانين ثم عزل.
وولي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين.
ثم أعيد بدر الدين بن أبي البقاء في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين.
ثم ولي عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي في رجب سنة ثنتين وتسعين، ثم عزل في ذي الحجة سنة أربع وتسعين.
وأعيد الصدر المناوي في المحرم سنة خمس وتسعين.
ثم أعيد البدر بن أبي البقاء في ربيع الأول سنة ست وتسعين.
ثم أعيد المناوي في شعبان سنة سبع وتسعين.
ثم ولي تقي الدين الزبيري في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين.
ثم أعيد المناوي في رجب سنة إحدى وثمانمائة.
ثم ولي ناصر الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الصالحي في شعبان سنة ثلاث.
ثم ولي جلال الدين البلقيني في جمادى الأول سنة أربع في حياة والده.
ثم أعيد الصالحي في شوال سنة خمس، ومات في المحرم سنة ست.
فولي شمس الدين محمد بن الأخنائي.
ثم أعيد البلقيني في ربيع الأول من السنة.
ثم أعيد الأخنائي في شعبان من السنة.
ثم أعيد البلقيني في ذي الحجة من السنة.
ثم أعيد الأخنائي في جمادى الأولى سنة سبع.
ثم أعيد البلقيني في ذي القعدة من السنة.
ثم أعيد الأخنائي في صفر سنة ثمان.
ثم أعيد البلقيني في ربيع الأول من السنة، فأقام إلى محرم سنة خمس عشرة، فعزله المستعين.
وولي شهاب الدين الباعوني، فأقام شهرا، وعزل.
ثم أعيد البلقيني في صفر سنة خمس عشرة، فأقام إلى جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين.
وولي شمس الدين محمد بن عطا الله الهروي، وفي ولايته هذه وجد في مجلس السلطان ورقة فيها شعر، وهو:
يأيها الملك المؤيد دعوة ... من مخلص في حبه لك ينصح
أنظر لحال الشافعية نظرة ... فالقاضيان كلاهما لا يصلح
هذا أقاربه عقارب وابنه ... وأخو وصهر، فعلهم مستقبح
غطوا محاسنه بقبح صنيعهم ... ومتى دعاهم للهدى لا يفلحوا
وأخو هراة بسيرة اللنك اقتدى ... وله سهام في الجوانح تجرح
لا درسه يقرأ، ولا أحكامه ... تدري، ولا حين الخطابة يفصح
فأرح هموم المسلمين بثالث ... فعسى فساد منهم يستصلح
وكان ذلك في أول شعبان، فعرض السلطان الورقة على الجلساء من الفقهاء الذين يحضرون عنده، فلم يعرفوا كاتبها، وطالت الأبيات. فأما الهروي فلم ينزعج من ذلك، وأما البلقيني فقام وقعد، وأطال البحث والتنقيب عن ناظمها، وتقسمت الظنون؛ فمنهم من اتهم شعبان الأثاري، ومنهم من اتهم تقي الدين بن حجة. قال العيني؛ وبعضهم نسبها لابن حجر؛ قال: والظاهر أنه هو.
ثم أعيد البلقيني في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين، فأقام إلى ان مات في شوال سنة أربع وعشرين.
وولي الشيخ ولي الدين العراقي، ثم عزل في ذي الحجة سنة خمس وعشرين.
وولي شيخنا شيخ الإسلام علم الدين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني.
ثم تولى الحافظ ابن حجر في المحرم سنة سبع وعشرين.
ثم أعيد الهروي في ذي القعدة من السنة.
ثم أعيد ابن حجر في رجب سنة ثمان وعشرين.
ثم أعيد شيخنا البلقيني في صفر سنة ثلاث وثلاثين.
ثم أعيد ابن حجر في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين.
ثم أعيد شيخنا البلقيني في شوال سنة أربعين.
ثم أعيد ابن حجر في شوال سنة إحدى وأربعين.
ثم ولي شمس الدين القاياتي في المحرم سنة تسع وأربعين، فأقام إلى ان مات في المحرم سنة خمسين.
وأعيد ابن حجر.
ثم أعيد شيخنا البلقيني في أول المحرم سنة إحدى وخمسين.
ثم ولي ولي الدين السقطي في نصف ربيع الأول من السنة؛ ثم عزل.
وأعيد ابن حجر في ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين، ثم عزل نفسه في آخر جمادى الآخرة من السنة.
وأعيد شيخنا البلقيني في صفر سنة سبع وخمسين، فأقام إلى شوال سنة خمس وستين، فعزل.
وأعيد المناوي ثم أعيد البلقيني في شوال سنة سبع وستين، فأقام إلى أن مات في سنة ثمان وستين. (1/274)
وأعيد المناوي، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة سبعين.
وولي صلاح الدين المكيني ربيب شيخنا البلقيني.
ثم عزل بعد ستة أشهر.
وولي بدر الدين أبو السعادات محمد بن تاج الدين بن قاضي القضاة جلال الدين البلقيني في أول سنة إحدى وسبعين، ثم عزل بعد أربعة أشهر.
وولي ولي الدين احمد بن أحمد الأسيوطي في نصف جمادى الأولى من السنة فأقام خمس عشرة سنة، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين.
وولي الشيخ زكريا محمد الأنصاري السبكي.
وقد نظم محمد بن دانيال الموصلي إرجوزة فيمن ولي قضاء مصر من حين فتحت إلى عهد البدر بن جماعة، فقال:
يقول راجي كرم الله العلي ... محمد بن دانيال الموصلي
من بعد حمد للعلي حاكم ... غامرنا بالجود والمراحم
ثم الصلاة بعد ترتيل اسمه ... على أحمد الهادي أمين حكمه
وآله وصحبه العدول ... شهود حجة أحمد الرسول
فإنني ضمنت هذا الشعرا ... أنباء كل من تولى مصرا
من سائر القضاة والحكام ... مذ ملكتها ملة الإسلام
من لدن ابن العاص اعني عمرا ... لفتحها إلى هلم جرا
لكنني اخترت الكلام الراجزا ... في حصرهم إذ كان لفظا موجزا
أول من ولي القضا للحكم ... قيس فتى عدي بن سهم
وآل بعده لكعب عبس ... ثم لعثمان بغير لبس
ثم ولي سليم نجل عتر ... وبعده السائب نجل عمرو
ثم يليه عاص المرادي ... وبعده ابن النضر في البلاد
وآل بعده لعبد الرحمن ... ثم إلى مالك نجل خولان
ويونس من بعده ولي القضا ... ثم ولي أوس بعزم منتضي
ثم تولى الحكم عبد الرحمن ... ثم وليه بعد ذاك عمران
وبعده صار لعبد الأعلى ... وابن حديج ذي الفخار الأعلى
ثم لعبد الله ذاك القاضي ... آل ومن بعده إلى عياض
وعاد للقضا بحكم ثان ... ابن حجيرة الفتى الخولاني
ثم إلى عياض آل ثانية ... ثم لعبد الله غير وانيه
والحضرمي ثم للخيار ... ثم يزيد جاء في الآثار
وآل بعد نوبة وخبر ... إلى ابن سالم بكل خير
هذا وفي عصر بني العباس ... صار نعيم ثابت الأساس
وعاد غوث بعد ذاك ... ثم ولي يزيد بعد فاعلموا
وعاد غوث قبل إبراهيما ... والحضرمي بعده مأموما
ثم لإسماعيل نجل اليسع ... ثم تلاه الغوث خير تبع
وبعد هذا حكم المفضل ... ثم أبو طاهر ذاك الأفضل
ثم المفضل الأمين حكما ... ثم ابن مسروق وما عن ظلما
ثم وليها بعده التجيبي ... والعمري أيما نجيب
وبعده البكري وابن ألبكا ... ثم ابن عيسى وهو أزكى نسكا
والاسلمي حاكم الشريعة ... ثم ابن عيسى واسمه لهيعه
ثم لإبراهيم نجل القاري ... ثم لابن إبراهيم ذي الفخار
ثم لعيسى آلت الأحكام ... وبعده زهريها الإمام
ثم ولي الأحكام نجل شداد ... وبعده الحارث خير الاجواد
وبعد ما ولي دحيم الأمصار ... صار لها قاضي القضاة بكار
هذا ونجل عبدة تولى ... ثم أبو زرعة لما ولى
ثم ابن عبدة تولى الحكما ... وكان فيه بالمحل الأسمى
ثم أبن حرب وأبو الذكر حكم ... قبل الكريزي زمانا في الأمم
والجوهري، وهو نعم القاضي ... ومن به قد وقع التراضي
وبعده أحمد وابن أحمدا ... وأحمد ثانية فيه اغتدى
وصرفوه بابن زبر فقضى ... من قبل إسماعيل فيما قد مضى
ثم ابن مسلم ونجل حماد ... والسرخسي والصيرفي بإسناد
وبعد عبد الله نجل زبر ... ولي أبو بكر جميع الأمر
ثم ابن زرعة ونجل بدر ... من قبل عبد الله نجل زبر
ثم ابن بدر بعد عبد الله ... أمسى عليها آمرا وناهي
ثم أبو ذكر تولى والحسن ... وبعده الكشي في ذاك زمن
وبعد ذا أبن أخت وليد ولم يزل ... حاكمها والعدل عنه ما عدل
وبعده ولي القضا أبن الحداد ... وبعده أبن أخت وليد قد عاد
وبعد ذاك ولد الخطيب ... ولي القضا وولد الخصيب
وبعده محمد قد حكما ... ثم أبو الطاهر فيما علما (1/275)
الدولة المصرية
وبعد هذا ولد النعمان ... ونجله في ذلك الزمان
ثم أبنه وصنوه الحسين ... ولم يشنه في القضاء شين
وبعد ذاك مالك تولى ... ثم أبو العباس فيما يتلى
وقاسم ثم أبو الفتح ولي ... وهو بغير قاسم لم يعزل
ثم ابن وهب جاءها في الأثر ... ونالها من قبل نجل ذكرى
ثم أعيد أحمد للحكم ... ثم ابن وهب فاستمع لنظمي
ثم ولي الحكم ابن عبد الحاكم ... ثم أعيد بعده للقاسم
ثم لعبد الحاكم الإمام ... وقاسم وجه بالأحكام
وبعده ولي القضا نجل أسد ... وبعده أحمد ذو الحكم الأسد
ثم أعيد ابن أبي كدينه ... لما ارتضوا سيرته ودينه
ثم على بعده الميسر ... ثم الرصافي الجميل الذكر
وبعده ولي القضا ابن وهب ... وابن أبي كدينة ذو اللب
وبعده المليجي في المدينة ... ولي القضا وابن أبي كدينة
ثم وليه بعده البازور ... وابن أبي كدنة بغير زور
وبعده العرقي والقضاعي ... ولي القضا حقاً بلا نزاع
ثم جلال الدولة ابن القاسم ... عاد فأضحى وهو خير حاكم
وبعده نجل نباتة ولي ... وولد الكحال ذو التفضل
وبعده المليجي والمكرم ... ثم أبو الطاهر ذو التكرم
وبعده ولي القضا نجل ذكا ... وبعده الحسين وهو ذو الذكا
ثم ابن بدر وأبو الفضل قضى ... من بعده الصقلي وأبو الفضل الرضي
وبعده ابن ظافر تولى ... وابن الحسين ذو المقام الأعلى
ثم أبو الفتح ويوسف ولي ... وكان كل ذا محل أفضل
ثم وليه ولد الميسر ... اعني سناء الملك رب المفخر
ثم أبو الفخر ونجل جعفرا ... ثم محمد ولي بلا مرا
وبعد هذا ولي الرعيني ... ثم سنا الملك بغير مين
وبعده نجل عقيل لم يزل ... وابن حسين صار حاكم العمل
وابن سلامة ونجل المقدسي ... وكان فيها ذا محل انفس
وابن مكرم ونجل عالي ... ثم ضياء الدين ذو الإفضال
ثم الأعز وأبو الفتح ولي ... وبعده أعيد نجل كامل
وبعد ذاك في زمان الغز ... ذوي الفخار والعلا والعز
وليه عبد الملك بن عيسى ... قبل علي أعني الفتى الرئيسا
ثم ابن عصرون تولى الحكما ... وعاد صدر الدين وهو الأسمى
والسكري وأبو محمد ... قبل ابن عين الدولة الممجد
ثم تولى يوسف السنجاري ... وجاء عز الدين في الآثار
وبعده موهوب ... اعني الجزري والخونجي ثم العماد الحموي
ثم أعيد يوسف السنجاري ... ثم تلاه التاج ذو الفخار
وولي البرهان أعني الخضرا ... وعاد تاج الدين فيما غبرا
ثم ولي الأحكام محيي الدين ... وابن رزين ذو الحجى الرزين
وبعد عزله تولاه عمر ... اعني العلامي وبالعدل أمر
ثم أعيد ابن رزين فحكم ... من بعد صدر الدين عدلا في الأمم
ثم الوجيه البهنسي للقضا ... عين بعد ذا التقى إذ قضى
وعندما استعفى لبعد القاهرة ... عن مصره خص بها أوامره
ثم الشهاب رفعوا محله ... واشخصوه من ربى المحله
ولم يزل حتى توفاه الردى ... وولي الشام الفتى ابن أحمدا
ثم ولي القاضي التقي ابن خلف ... بعد الوجيه والشهاب المنصرف
وعزلوه عن قضاء القاهرة ... ثم وليه سيد السناجرة
ثم ولي التقى عبد الرحمن ... وبان بدر الدين لما أن بان
وعاد بدر الدين للشام ... ثم ولي الحكم الفتى العلامي
ولم يزل حتى توفاه القضا ... ثم ولي التقي أبو الفتح القضا
وإذا اتاه نازل الحمام ... عاد غليها البدر في التمام
بدر منير كامل الأوصاف ... والمنهل العذب المنير الصافي
لأبرحت نافذة أحكامه ... وخلدت زاهرة أيامه
قلت: وقد ذيلت عليه بمن جاء بعد ذلك، فقلت:
وبعد ذاك قد وليه الزرعى ... ثم أعيد البدر لما أن دعي
ثم وليه بعده القزويني ... وبعده ابن البدر عز الدين
وبعده نجل عقيل قد ولي ... ثم أعيد العز ذا تبجل
وبعده ولي أبو البقاء ... وبعده البرهان ذو ارتقاء (1/276)
وبعده البدر هو السبكي ... ثم اتى برهاننا الزكي
ثم أعيد البدر ذو التحقق ... ثم وليه الناصر ابن الميلق
ثم وليه صدرنا المناوي ... ثم أعيد البدر ذو الفتاوي
ثم تولاه العماد الكركي ... ثم أعيد الصدر ذو التمسك
ثم أعيد البدر ثم الصدر ... ثم الزبيري وعاد الصدر
ثم وليه بعد ذاك الصالحي ... ولم يكن في علمه بالراجح
ثم وليه ولد البلقيني ... عالم عصره جلال الدين
ثم أعيد الصالحي النائي ... ثم ولي محمد الإخنائي
وبعده عاد الجلال للقضا ... ثمت الأخنائي وهو من مضى
ثم الجلال بعده الباعوني ... ثم الجلال باذل الماعون
ثم ولي الهروي فالجلالي ... ثم العراق وهو ذو الكمال
ثم وليه العلم البلقيني ... فحافظ العصر شهاب الدين
ثم أعيد الهروي ثم استقر ... من بعد عزله شهاب ابن حجر
ثم أعيد شيخنا فابن حجر ... ثم أعيد شيخنا فابن حجر
ثم وليه بعده القاياتي ... ثم أعيد حافظ السنات
ثم أعيد شيخنا البلقيني ... ثم أتى السفطي ولي الدين
ثم أعيد بعد ذاك ابن حجر ... ثم أعيد شيخنا ثم استقر
من بعد ذاك الشرف المناوي ... وشيخنا من بعد ذو الفتاوي
ثم أعيد بعد ذاك الشرف ... ثم اعيد شيخنا فالشرف
ثم الصلاح وهو المكيني ... ثم ولي البدر هو البلقيني
ثم السيوطي ولي الدين ثم ... للشيخ أعني زكريا الحكم عم
ذكر قضاة الحنفية
أول من ولي منهم زمن الظاهر بيبرس في سنة ثلاث وستين وستمائة صدر الدين سليمان بن أبي العز.
وولي بعده معز الدين النعمان بن الحسن، إلى أن مات في شعبان سنة اثنتين وتسعين.
وولي شمس الدين محمد السروجي، ثم عزل أيام المنصور لاجين.
وولي حسام الدين الحسن بن أحمد الرازي، ثم عزل سنة ثمان وتسعين.
وأعيد السروجي، ثم عزل في ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة.
وولي شمس الدين محمد بن عثمان الحريري إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين.
وولي برهان الدين إبراهيم بن عبد الحق، وقال بعض الشعراء في ذلك:
طوبى لمصر فقد حل السرور بها ... من بعد ما رميت دهراً بأحزان
كنانة الله قد قام الدليل على ... تفضلها من نبي حق ببرهان
ثم عزل في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.
وولي حسام الدين الحسن بن محمد الغوري، ثم عزل في سنة اثنتين وأربعين.
وولي زين الدين عمر البسطامي، ثم عزل في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين.
وولي علاء الدين التركماني إلى أن مات في المحرم سنة خمسين.
وولي ولده جمال الدين عبد الله إلى أن مات في شعبان سنة تسع وستين.
ولي سراج الدين عمر بن إسحاق الهندي إلى أن مات في رجب سنة ثلاث وسبعين.
وولي صدر الدين محمد بن جمال الدين التركماني، إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست وسبعين.
وولي نجم الدين احمد بن العماد إسماعيل بن الكشك، طلب من دمشق في المحرم سنة سبع وسبعين، ثم عزل.
وولي صدر الدين علي بن أبي العز الاذرعي، ثم استعفى فأعفى.
وولي شرف الدين أحمد بن منصور الدمشقي، ثم عزل نفسه في سنة ثمان وسبعين.
وولي جلال الدين جار الله إلى أن مات في رجب سنة اثنتين وثمانين.
وولي صدر الدين محمد بن علي بن منصور إلى أن مات في ربيع الأول سنة ست وثمانين.
وولي شمس الدين محمد بن أحمد الطرابلسي، ثم عزل نفس سنة اثنتين وتسعين.
وولي مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الكناني، ثم عزل في شعبان سنة اثنتين وتسعين.
وولي جمال الدين محمود القيصري إلى أن مات في ربيع الأول سنة تسع وتسعين.
وأعيد الطرابلسي إلى أن مات في آخر السنة.
وولي الجمال الدين يوسف بن موسى الملطي، طلب من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة، فأقام إلى أن مات في ربيع الآخر سنة ثلاث.
وولي أمين الدين عبد الوهاب بن قاضي القضاة شمس الدين الطرابلسي، ثم عزل في رجب سنة خمس.
وولي كمال الدين عمر بن العديم إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة.
وولي ابنه ناصر الدين محمد، ثم عزل في رجب من السنة.
وأعيد الأمين بن الطرابلسي، ثم عزل في المحرم سنة اثنتي عشرة. (1/277)
وأعيد ناصر الدين بن العديم، ثم عزل في سنة خمس عشرة.
وولي صدر الدين علي بن الآدمي إلى أن مات في رمضان سنة ست عشرة.
وأعيد ابن العديم إلى أن مات في ربيع الآخر سنة تسع عشرة.
وولي شمس الدين الديري، طلب من القدس، ثم عزل في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين.
وولي زين عبد الرحمن بن علي التفهيني، ثم عزل في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين.
وولي بدر الدين العيني، ثم عزل في صفر سنة ثلاث وثلاثين.
وأعيد التفهني، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين.
وأعيد العيني، ثم عزل في سنة اثنتين وأربعين.
وولي سعد الدين بن الديري، فأقام إلى ان عزل قبل موته بيسير في شوال سنة ست وستين.
وولي محب الدين بن الشحنة، ثم عزل في رجب سنة سبع وستين.
وولي بدر الدين بن الصواف الحموي إلى أن مات آخر العام، وأعيد ابن الشحنة، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة سبعين.
ولي البرهان ابن الديري، ثم عزل.
وأعيد ابن الشحنة في أول سنة إحدى وسبعين، ثم عزل في سنة ست وسبعين.
وولي شمس الدين محمد بن الحسن الأمشاطي، إلى أن مات في رمضان سنة خمس وثمانين.
وولي شرف الدين موسى بن عيد، طلب من دمشق، فأقام دون الشهرين، ومات من واقع وقع عليه من الزلزلة بالمدرسة الصالحية في المحرم سنة ست وثمانين.
وولي شمس الدين محمد بن المغربي، ثم عزل في رمضان سنة إحدى وتسعين.
وولي القاضي ناصر الدين الإخميمي.
ذكر قضاة المالكية
أول من ولي منهم زمن الظاهر شرف الدين عمر بن السبكي، إلى أن مات سنة سبع وستين وستمائة.
وولي بعده نفيس الدين بن شكر إلى أن مات سنة ثمانين وستمائة.
وولي تقي الدين بن شاس، إلى أن مات في ذي الحجة سنة خمس وثمانين.
وولي زين الدين بن مخلوف النويري إلى أن مات سنة خمس وسبعمائة.
وولي نور الدين علي بن عبد النصير السخاوي، إلى أن مات في جمادى الأولى سنة ست وخمسين.
وولي تقي الدين محمد بن شاس، إلى أن مات في شوال سنة ستين وسبعمائة وولي تاج الدين محمد بن القاضي علم الدين محمد بن أبي بكر بن الأخنائي إلى أن مات في أول سنة ثلاث وستين.
وولي أخوه برهان الدين بن إبراهيم، إلى أن مات في رجب سنة سبع وسبعين.
وولي أبن أخيه بدر الدين عبد الوهاب بن الكمال أحمد، ثم صرف في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين.
وولي علم الدين سليمان بن خالد البساطي، ثم عزل في صفر سنة تسع وسبعين.
وأعيد البدر الأخنائي، ثم صرف في رجب من السنة.
وأعيد البساطي في سنة ثلاث وثمانين.
وولي جمال الدين عبد الرحمن بن خير السكندري، وقال بعضهم في ذلك:
قالوا تولى أبن خير ... فقيه ثغر الرباط
فقلت: ذا فيض خير ... من بعد خير البساط ثم عزل في جمادى الآخرة من سنة ست وثمانين.
وولي عبد الرحمن بن خلدون، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين.
وأعيد أبن خير إلى أن مات سنة إحدى وتسعين.
وولي تاج الدين محمد بن يوسف الكركي، إلى أن مات في شوال سنة ثلاث وتسعين.
وولي شهاب الدين بن النحريري، ثم عزل في ذي الحجة من السنة وولي ناصر الدين أحمد بن محمد التنسي، إلى أن مات في رمضان سنة إحدى وثمانمئة.
وولي ولي الدين بن خلدون، ثم عزل في المحرم سنة ثلاث.
وولي نور الدين علي بن الخارل إلى أن مات من عامه.
وولي جمال الدين عبد الله الأقفهسي، ثم عزل بعد شهر.
وأعيد أبن خلدون، ثم عزل في شعبان سنة أربع.
وولي جمال الدين يوسف البساطي، ثم صرف في ذي الحجة من السنة.
وأعيد أبن خلدون، ثم صرف في ربيع الأول من سنة ست.
وأعيد البساطي، ثم صرف في رجب سنة سبع.
وأعيد أبن خلدون، ثم صرف في ذي القعدة من عامه.
وأعيد الجمال الأقفهسي.
ثم ولي جمال الدين عبد الله القاضي ناصر الدين التنسي في مستهل ربيع الأول سنة ثمان، ثم عزل بعد يومين.
وأعيد البساطي، ثم صرف في رمضان من عامه.
وأعيد أبن خلدون، ثم لم يلبث أن مات فيه.
وأعيد جمال الدين التنسي، ثم صرف في سادس عشر من شوال.
وأعيد البساطي، ثم صرف في شوال سنة اثنتي عشرة.
وولي شمس الدين محمد بن علي المدني ثم صرف في ربيع الآخر سنة ست عشرة.
وولي شهاب الدين الأموي، ثم أعيد الجمال الأقفهسي إلى أن مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين. (1/278)
وولي العلامة شمس الدين البساطي، فأقام إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين وأربعين.
وولي بدر الدين بن القاضي ناصر الدين التنسي إلى أن مات في صفر سنة ثلاث وخمسين.
وولي ولي الدين السنباطي، إلى أن مات في رجب سنة إحدى وستين.
وولي حسام الدين بن جرير إلى أن مات سنة ثلاث وسبعين.
وولي أخوه سراج الدين ثم عزل، وولي البرهان اللقاني، ثم عزل في جمادى سنة ست وثمانين.
وولي صاحبنا محي الدين بن تقي الدين.
ذكر قضاة الحنابلة
أول من ولي منهم زمن الظاهر شمس الدين محمد بن العماد الجماعيلي، ثم عزل سنة سبعين وستمائة، ولم يل الوظيفة بعد عزله أحد حتى توفي سنة ست وسبعين.
وولي عز الدين عمر بن عبد الله بن عوض في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين، إلى أن مات سنة ست وتسعين.
وتولى شرف الدين عبد الغني بن يحيى الحراني، إلى أن مات في ربيع الأول سنة تسع وسبعمائة.
وولي الحافظ سعد الدين الحارثي، ثم عزل في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة.
وولي تقي الدين بن قاضي القضاة عز الدين عمر، ثم عزل.
وولي موفق الدين عبد الله بن محمد المقدسي في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين، إلى أن مات في المحرم سنة تسع وستين.
وولي ناصر الدين نصر الله بن أحمد العسقلاني، إلى أن مات في شعبان سنة خمس وتسعين.
وولي أبنه برهان الدين إبراهيم، إلى أن مات في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة.
وولي أخوه موفق الدين أحمد بن نصر الله، ثم صرف.
وولي نور الدين علي الحكري، ثم صرف.
وأعيد موفق الدين إلى أن مات في رمضان سنة ثلاث وثمانمائة.
وولي مجد الدين سالم ثم صرف في سنة ثماني عشرة.
وولي علاء الدين علي بن مغني، إلى أن مات في صفر سنة ثمان وعشرين.
وولي محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين.
وولي عز الدين عبد العزيز بن علي البغدادي، ثم صرف في سنة إحدى وثلاثين.
وأعيد محب الدين إلى أن مات في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين.
وولي بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي، إلى أن مات في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين.
وولي شيخنا عز الدين أحمد بن قاضي القضاة برهان الدين بن قاضي القضاة نصر الله إلى أن مات في سنة ست وسبعين.
وولي تلميذه البدر السعدي.
ذكر وزراء مصر
أعلم إن الوزارة وظيفة قديمة كانت للملوك من قبل الإسلام؛ بل من قبل الطوفان، وكانت للأنبياء؛ فما من نبي إلا وله وزير، قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: )وأجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري(، وقال تعالى مخاطباً له: )سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا(.
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة وزراء؛ روى البزار والطبراني في الكبير عن أبن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أيدني بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء: جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض: أبي بكر وعمر " .
وقد وردت الأحاديث في وزراء الملوك، روى أبو داوود عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق؛ إن نسى كره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء؛ إن نسى لم يذكره، وأن ذكر لم يعنه " .
ولم تكن الوزارة في صدر الإسلام إلا للخلفاء دون أمراء البلاد، فكان وزير أبي بكر الصديق عمر بن الخطاب، ووزير عمر ووزير عثمان مروان بن الحكم؛ ذكره أبن كثير في تاريخه.
ووزير عبد الملك روح بن زنباع، ووزير سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز.
قال أبن كثير: وكان رجاء بن حيوة وزير صدق لأمراء بني أمية. ووزير هشام بن عبد الملك فمن بعده عبد الحميد بن يحيى؛ غير أنه لم يكن أحد في عهده يلقب بالوزير، ولا يخاطب بوصف الوزارة.
وأول من لقب الوزير في الإسلام أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال وزير الخليفة السفاح، أول خلفاء بني العباس.
وقال أبن فضل الله في المسالك: لم تكن للوزارة رتبة تعرف مدة بني أمية وصدراً من دولة السفاح، بل كان كل من أعان الخلفاء على أمرهم، يقال له: فلان وزير فلان؛ بمعنى أنه موازر له، لا أنه متولي رتبة خاصة يجري لها قوانين، وتنتظم بها دواوين. (1/279)
وأول من فخم قواعد الملك في هذه الأمة، وعظم عوائد السلطان عبد الملك بن مروان؛ إذ لم يستتب الأمر لأحد بعد عثمان بن عفان كما استتب له، وكان منه إلى معاوية خبط عشواء، وأما معاوية فعمرو بن العاص، وإن كان له وزراً ورداء، فإنه أجل قدرا وأعظم أمرا من أنه يجري معه مجرى الوزراء، إذ كان لا يزال كالممتن عليه لانحيازه إلى جمعه مع ما يسكنه له في شرفه . . . وسابقته في الإسلام.
وأول من دعي بالوزير في دولة السفاح أبو سلمة حفص سليمان الخلال؛ وكان يقال له وزير آل محمد؛ ثم إن أبا مسلم الخراساني بعث إليه من قتله، وفيه قيل هذا البيت:
إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيرا
ووزر للسفاح بعده أبو الجهم بن عطية، وخالد بن برمك، وسليمان بن مخلد، والربيع بن يونس.
ووزر للمنصور أبو أيوب المورياني وعبد الجبار بن عبد الرحمن والربيع بن يونس، وخالد بن برمك، وسليمان بن مخلد، وعبد الحميد.
ووزر للمهدي معاوية بن عبد الله الطبري، ويعقوب بن داوود بن طهمان، والفيض بن صالح.
ووزر للهادي الربيع بن يونس، والفضل بن الربيع، وإبراهيم بن ذكوان.
فلما أستخلف الرشيد وولي الوزارة يحيى بن خالد البرمكي، وقال له: فوضت إليك أمر الرعية، وخلعت ذلك من عنقي، وجعلته في عنقك، فول من شئت، وأعزل من شئت؛ وقال إبراهيم الموصلي في ذلك:
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة ... فلما ولي هارون أشرق نورها
تبسمت الدنيا جمالا بملكه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها
ومن هذا الوقت عظم أمر الوزارة. ولم تكن قبل ذلك بهذه المثابة؛ وهي من الخلافة في معنى السلطنة عن الخلافة الآن؛ وكانت البرامكة كلهم في معنى الوزراء، للرشيد خالد بن برمك، وأولاده يحيى والفضل وجعفر؛ حتى قال سلم الخاسر:
إذا ما البرمكي غدا أبن عشر ... فهمته أمير أو وزير
ثم لما قتل الرشيد البرامكة، أستوزر الفضل بن الربيع بن يونس، وفي ذلك يقول أبو نواس:
ما رعى الدهر آل برمك لما ... أن رمى ملكهم بأمر فظيع
إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى ... غير راع ذمام آل الربيع
ووزر للأمين الفضل أيضا.
ووزر للمأمون الفضل بن سهل ذو الرياستين، وأخوه الحسن بن سهل، وأحمد أبن أبي خالد، وعمرو بن مسعدة.
ووزر للمعتصم الفضل بن مروان، وأحمد بن عمار، ومحمد بن عبد الملك الزيات.
ووزر للواثق محمد بن عبد الملك الزيات.
ووزر للمتوكل محمد بن عبد الملك أيضا، والفتح بن خاقان، ومحمد بن الفضل الخراساني، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان.
ووزر للمنتصر أحمد بن الخصيب.
ووزر للمستعين أبن الخصيب، وسعيد بن حميد.
ووزر للمعتز جعفر الإسكاف وعيسى بن فروخ شاه وأحمد بن إسرائيل.
ووزر للمهتدي.
ووزر للمعتمد عبيد الله بن يحيى بن خاقان والحسن بن مخلد وسليمان أبن وهب وأبنه عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم أبنه أبو الحسين القاسم، وهو أول وزير لقب في الدولة، فإن المعتضد لقبه ولي الدولة، وتوفي في زمن المكتفي، فوزر له أحمد أبو العباس بن الحسن بن أحمد بن أيوب، وهو أول وزير منع أصحاب الدواوين من الوصول إلى الخليفة.
ووزر للمقتدر أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات ثلاث مرات، وأبو علي محمد بن الوزير أبي الحسن عبيد الله بن خاقان، وأبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح مرتين. قال الصولي: ولا أعلم أنه وزر لبني العباس وزير يشبهه في زهده وعفته وتعبده، كان يصوم نهاره، ويقوم ليله، وكان يسمى الوزير الصالح.
وقال الذهبي في العبر: كان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء. وأبو محمد حامد بن العباس، وكان له أربعمائة مملوك يحملون السلاح، ولكل منهم عدة مماليك، وكان يخدمه على بابه ألف وسبعمائة راجل وعشرون حاجبا، يجري مجرى الأمراء.
وأبو العباس أحمد بن عبيد الله أبن الوزير أبي العباس بن الخصيب، وأبو علي محمد بن أبي العباس بن مقلة صاحب الخط المنسوب، ولما خلع عليه بالوزارة قال نفطويه النحوي:
إذا أبصرت في خلع وزيراً ... فقل أبشر بقاصمة الظهور (1/280)
بأيام طوال في بلاد ... وأيام قصار في سرور
وأبو علي الحسين بن الوزير أبي الحسين القاسم بن الوزير عبيد الله، ولقب عميد الدولة، وأبو القاسم سليمان بن الوزير، وأبو محمد الحسن بن مخلد بن الجراح وأبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات المعروف بابن حنزابة، هؤلاء وزراء المقتدر.
ووزر للقاهر أبو علي بن مقلة، وأبو العباس بن الخصيب، وأبو جعفر محمد بن الوزير القاسم بن الوزير عبيد الله.
ووزر للراضي أبو علي بن مقله وأبنه علي أبو الحسين شريكاً مع أبيه؛ فكانت الكتب يكتب عليها: " من أبي علي وعلي بن أبي علي " . ولم يل الوزارة أصغر سناً من علي هذا، فإنه ولي وسنه ثماني عشرة سنة. وأبو الفتح الفضل بن الفرات، وأبو علي عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح، وأبو القاسم سليمان بن الجراح، وأبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب البريدي. وفي أيام الراضي تغلب محمد بن رائق، وولي إمارة الأمراء، وصارت الكتب تؤرخ عن أبن رائق، وتقدم على الوزير، فسقط حكم الوزارة من ذلك الوقت.
ووزر للمقتفي علي بن مقلة، وأبو القاسم سليمان بن الجراح، وأبو جعفر الكرخي وأبو عبد الله البريدي، وأبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون الأفطس، وأبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطي الإسكافي وأبو العباس أحمد بن عبد الله الأصفهاني.
ووزر للمستكفي أبو الفرج محمد بن علي السريري. قال الهمداني: وصادره توزون على ثلاثين ألف دينار. وانتقلت الوزارة من كتاب الخلفاء إلى كتاب الديلم، فلم يخاطب بوزير غيرهم، وكتب أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي للمستكفي، وكتب أبو نصر إبراهيم بن الوزير أبي الحسن علي بن علي بن عيسى للمطيع، وكتب أبو الحسن علي بن جعفر الأصبهاني للطائع، وبعده أبو القاسم عيسى بن الوزير أبي الحسن علي بن عيسى وبعده أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان، وخوطب برئيس الرؤساء.
وكتب أيضا للقادر، وبعده أبنه أبو الفضل، وبعده أبو طالب محمد بن أيوب ولقب عميد الرؤساء.
وكتب أيضا للقائم وبعده رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن أبي الفرج الحسن بن مسلمة، وخوطب وزير أمير المؤمنين؛ وهو الذي أستدعى الغزالي إلى بغداد، وأزال دولة بني بويه.
ووزر بعده للقائم أبو الفتح منصور بن أحمد بن داوست الشيرازي، وهو أول من خوطب بالوزير لدار الخلافة في الدولة السلجوقية، ووزر بعده فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الموصلي.
ووزر أيضا للمقتدي، وبعده ولده عميد الدولة شرف الدين أبو منصور محمد، وعزل بالوزير أبي شجاع ظهير الدين محمد بن الحسين، ثم عزل وأعيد عميد الدولة.
وقال أبو شجاع حين عزل:
تولاها وليس عدو ... وفارقها وليس له صديق
ووزر للمستظهر عميد الدولة، وسديد الملك أبو المعالي الفضل بن عبد الرزاق الأصبهاني، وأخو عميد الدولة زعيم الرؤساء أبو القاسم علي بن محمد بن جهير، وأبو المعالي هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب، ونظام الدين أبو منصور الحسين بن أبي شجاع.
ووزر للمسترشد أبنه عضد الدولة أبو شجاع، وسنه تسع عشرة سنة وستة أشهر، ولم يل الوزارة أصغر منه، وأبو نصر أحمد بن نظام الملك، وعميد الدولة جلال الدين أبو علي الحسن بن صدقة، وشرف الدين صدر الإسلام أبو شروان بن خالد القاساني؛ وهو الذي كلف الحريري تصنيف المقامات، وشرف الدين يمين الدالة أبو القاسم علي أبن طراد الزيبني العباسي؛ قال الهمداني: ولم يل الوزارة عباسي سواه، ولقب معز الإسلام عضد الدولة الإمام صدر الشرق والغرب وكذا قال أبن كثير: لا يعرف أحد من العباسيين باشر الوزارة غيره.
وأما الراشد فلم يرتب له وزير مراقبة للعسكري، وكان المتولي لأمره ناصح الدولة بهاء الدين أبو عبد الله الحسين بن جهير أستاذ الدار إذ ذاك، وجلس للمظالم في بيت التوبة جلوس الوزراء ووزر له بالمعسكر جلال الدين بن نوشروان، وما تمت وزارته، ووزر له جلال الدين أبو الراضي بن صدقة.
ووزر للمقتفي شرف الدين الزبيني، ونظام الدين أبو نصر المظفر بن الزعيم علي بن جهير، وعون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة، وهو مصنف كتاب الإفصاح، وكان من خيار الوزراء وعلمائهم، وكان يبالغ في إقامة الدولة العباسية وحسم مادة الملوك السلجوقية عنهم بكل ممكن، حتى استقرت الخلافة بالعراق كله، ليس للملوك معهم حكم بالكلية، ولله الحمد. (1/281)
ووزر للمستنجد بن هبيرة المذكور إلى أن مات سنة ستين وخمسمائة، فوزر بعده شرف الدين أبو جعفر أبن البلدي، ولقب جلال الدين معز الدولة.
ووزر للمستضيئ عضد الدولة رئيس الرؤساء محمد بن عبد الله بن المظفر، وقيماز المستنجدي، وعضد الدولة بن رئيس الرؤساء بن المسلمة.
ووزر للناصر أبو المظفر جلال الدين عبد الله بن يونس الحنبلي، ومؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي بن القصاب، وعز الدين أبو المعالي سعيد بن علي بن حديدة الأنصاري، ونصير الدين ناصر بن مهدي العلوي، ومؤيد الدين محمد بن عبد الكريم القمي.
ووزر للظاهر القمي هذا.
ووزر للمستنصر القمي أيضا، وشمس الدين أبو الأزهر أحمد بن محمد بن الناقد، ونصير العلقمي.
ووزر المستعصم نصير الدين محمد بن الناقد إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين وستمائة. فلما مات استوزر مؤيد الدين أبا طالب محمد بن أحمد بن العلقمي، وهو الوزير المشئوم على الخليفة، وعلى بقية بني العباس، وعلى سائر المسلمين وعلى نفسه أيضا؛ فإنه الذي مالأ التتار، حتى قدموا وأخذوا بغداد، وقتلوا الخليفة، وجرى ما جرى، وقال فيه بعضهم:
يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا ... أسفاً على ما حل بالمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي وقال أبن فضل الله في ترجمته: وزير وليته ما وزر، وأرتفع رأسه وليته رض بالحجر، كمن كمون الأرقم، وسقى الناس من كأسه العلقم.
وأما مصر فكانت إمرة بلا وزارة إلى أيام السلطان أحمد بن طولون، فعظم أمرها، ووزر لخمارويه أبو بكر محمد بن رستم الماذرائي الكاتب.
ووزر لكافور الإخشيدي أبو الفضل جعفر بن الفرات المعروف بابن خنزابه.
ووزر للمعز جوهر القائد.
وللعزيز أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس، وكان يهودياً فأسلم، وفوض إليه الأمور في سائر مملكته، قال أبن زولاق: هو أول من وزر للدولة العبيدية بالديار المصرية، وكان من جملة كتاب كافور، فلما مات حزن عليه العزيز حزنا شديداً، وأغلق الديوان من أجله، وكانت وفاته سنة ثمانين وثلثمائة.
ووزر بعده نصراني يقال له عيسى بن نطورس، ثم قبض عليه.
ووزر للظاهر أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي في سنة ثماني عشرة وأربعمائة إلى أن مات في زمن المستنصر سنة ست وثلاثين، فوزر بعده أبو نصر صدقة بن يوسف الفلاحي، وكان يهودياً فأسلم، وفيه يقول الحسن بن خاقان الشاعر المصري:
يهود هذا الزمان قد بلغوا ... غاية آمالهم وقد ملكوا
العز فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك
يا أهل مصر إني نصحت لكم ... تهودوا قد تهود الفلك ثم عزل الفلاحي سنة تسع وثلاثين؛ ووزر بعده أبو البركات الحسين بن محمد بن أحمد الجرجرائي أبن أخي الوزير صفي الدين، ثم صرف في شوال سنة إحدى وأربعين.
ووزر القاضي أبو محمد الحسن بن علي البازوري مضافا لقضاء القضاة، ولقب الناصر للدين، غياث المسلمين الوزير لأجل المكين سيد الرؤساء تاج الأصفياء قاضي القضاة، وداعي الدعاة، وفي أيامه سأله المستنصر أن يكتب أسمه معه على السكة، فكان ينقش عليها:
ضربت في دولة آل الهدى ... من آل طه وآل ياسين
مستنصر بالله جل اسمه ... وعبده الناصر للدين
" سنة كذا " ، وطبعت عليها الدنانير نحو شهر، فأمر المستنصر ألا تسطر في البر. ثم عزل البازوري، عن الوزارة والقضاء في المحرم سنة خمسين.
ووزر أبو الفرج عبد الله بن محمد البابلي، ثم صرف في ربيع الأول من السنة.
ووزر أبو الفرج محمد بن جعفر المغربي، ثم صرف في رمضان سنة اثنتين وخمسين.
وأعيد البابلي، ثم صرف في المحرم سنة ثلاث وخمسين.
ووزر أبو الفضل عبد الله بن يحيى بن المدبر ثم صرف في رمضان.
ووزر أبو محمد عبد الكريم بن عبد الحاكم أخو قاضي القضاة إلى أن مات في المحرم سنة أربع وخمسين.
ووزر أخوه أبو علي أحمد مصروفا عن القضاء، ثم صرف في شوال، وأعيد أبو الفرج البابلي، ثم صرف في المحرم سنة خمس وخمسين. (1/282)
وأعيد أبو علي أحمد بن عبد الحاكم، مضافا للقضاء، ثم صرف في صفر، وأعيد أبو الفضل بن المدبر، فمات في جمادى الأولى من السنة.
ووزر أبو غالب عبد الظاهر بن الفضل بن الموفق المعروف بابن العجمي، ثم صرف في شعبان.
ووزر الحسن بن مجلي بن أسد بن أبي كدينة مضافا للقضاء، ثم صرف في ذي الحجة.
ووزر أحمد بن عبد الحاكم مضافاً للقاء، ثم صرف في المحرم سنة ست وخمسين.
ووزر أبو المكارم المشرف بن أسعد بن عقيل، ثم صرف في ربيع الآخر.
وأعيد أبو غالب عبد الظاهر، ثم صرف في رجب.
ووزر أبو البركات الحسين بن عماد الدولة بجرجراي، ثم صرف في رمضان وأعيد الحسن بن مجلي، ثم صرف في ذي الحجة.
ووزر أبو علي الحسن بن أبي سعد إبراهيم بن سهل التستري، ثم صرف.
ووز محمد بن جعفر المغربي ثم صرف.
ووزر جلال الملك ثم صرف.
ووزر خطير الملك بن الوزير البازوري، ثم صرف وأعيد أبن أبي كدينة، ثم صرف في سنة ست وستين.
وولي الوزارة التستري، ثم صرف في نصف المحرم سنة سبع وخمسين.
ووزر أبو شجاع محمد بن الأشرف أبو غالب محمد بن علي بن خلف، ثم صرف ثاني يومه عنها، وأعيد أبن أبي كدينة، ثم صرف بعد أربعة أيام.
وأعيد أبو شجاع بن الأشرف، ثم صرف في نصف ربيع الأول.
ووزر سديد الدولة أبو القاسم هبة الله بن محمد الرحبي، ثم صرف في ربيع الآخر.
وأعيد أبن أبي كدينة، ثم صرف في رجب.
وأعيد أبو المكارم المشرف أبن أسعد، ثم صرف في شوال.
ووزر الأمير أبو الحسن علي بن الأنباري، ثم صرف في ذي الحجة.
وأعيد سديد الدولة هبة الله، ثم صرف في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين.
ووزر جلال الملك أحمد بن عبد الكريم مضافاً للقضاء، ثم صرف بعد أيام.
وزر أبو الحسن بن طاهر بن وزير، ثم صرف بعد أيام.
ووزر أبو عبد الله محمد بن أبي حامد التنسي يوماً واحدا، ثم صرف.
ووزر أبو سعد منصور بن زنبور ثم هرب بعد أيام.
ووزر أبو العلاء عبد الغني بن نصر بن سعيد، ثم صرف بعد أيام.
وأعيد أبن أبي كدينة.
وولي الوزارة أمير الجيوش بدر بن عبد الله الجمالي، وإليه تنسب قيسارية أمير الجيوش، والعامة يقولون " مرجوش " ، وهو باني الجامع الذي بثغر الإسكندرية بسوق العطارين، فأقام إلى أن مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، فقام في الوزارة والده الأفضل أبو القاسم شاهنشاه، فوزر للمستنصر بقية أيامه وللمستعلى وصدراً من ولاية الآمر، ثم إنه قتل، ضربه فداوى وهو راكب، وذلك في رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة. قال أبن خلكان: وترك من الأموال ما يفوق العد من ذلك من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار، ومن الفضة مائتين وخمسين أردبا، وسبعين ألف ثوب ديباج أطلس، ودواة ذهب فيها جوهر باثني عشر ألف دينار، وخمسمائة صندوق للبس بدنه، وصندوقان كبيران فيهما إبر ذهب برسم النساء، ومن سائر الأنواع ما لا يعلم قدره إلا الله.
وقام في الوزارة مكانه أبو عبد الله محمد بن مختار بن بابك البطائحي، ولقب المأمون، وهو باني الجامع الأقمر، وله صنف الإمام أبو بكر الطرطوشي كتاب سراج الملوك، ثم قبض عليه الآمر، وقتله في سنة تسع عشرة.
وقام في الوزارة أبو علي بن الأفضل، ولقب أمير الجيوش، فلما ولي الحافظ استحوذ الوزير على الأمور دونه، وحصر الحافظ في موضع لا يدخل عليه إلا من يريده، ونقل الأموال من القصر إلى داره، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط، ودعا لنفسه على المنابر بناصر أيام الحق، هادي العصاة إلى أتباع الحق، مولى الأمم، ومالك فضيلتي السيف والقلم. وخطب للمهدي المنتظر آخر الزمان، فلم يزل كذلك إلى أن قبل في العشرين من المحرم سنة خمس وعشرين، قتله مملوك إفرنجي للحافظ بأمرة.
واستوزر بعده مملوكه أبا الفتح باليس الحافظي، ولقب أمير الجيوش أيضا، ثم تخيل منه الحافظ، فدس عليه من سممه في ماء الاستنجاء، فمات.
واستوزر بعده أبنه الحسن - أعني أبن الحافظ الخليفة - وكان ولي عهد أبيه، فقام ثلاثة أعوام، يظلم ظلما فاحشا؛ حتى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا، فخافه أبوه، فدس عليه من سممه، فهلك في سنة تسع وعشرين.
ثم استوزر بهرام الأرمني النصراني، ولقب تاج الدولة، فتمكن في البلاد، وأساء السيرة، فقبض عليه الحافظ، وسجنه. (1/283)
واستوزر بعده رضوان بن الوحشي، ولقبه الملك افضل، ولم يلقب وزير بذلك، قبله، ثم وقع بينه وبين الحافظ، فقتله سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، واستقل بتدبير أموره وحده من غير وزير.
فلما ولي الظافر سنة أربع وأربعين وخمسمائة، استوزر أبا الفتح بن فضالة بن المغربي، ولقب أمير الجيوش، فأحسن السيرة، ثم قتل سنة خمس وأربعين.
ووزر أبن سلار، ولقب الملك العادل، ثم قتل من عامه.
ووزر أبن نصر عباس الصنهاجي، فدس عليه الظافر من قتله فقتل هو أيضا.
فلما أقيم الفائز وزر له طلائع بن زريك، وتلقب بالملك الصالح، وهو صاحب الجامع بجوار باب زويلة، وخلع عليه مثل الأفضل أمير الجيوش بدر الجمالي من الطيلسان المقور، وكتب له تقليد من إنشاء الموفق أبي الحجاج يوسف بن علي بن الخلال وهذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فالحمد لله المنعم على المخلصين من أوليائه بسوابغ آلائه، والمتكفل لمن نصره بنصره وتثبيت قدمه وإعلائه، الممهد لمن قام بحقه أرفع مراتب الدنيا والآخرة، والموضح لمن حامى عن الدولة الفاطمية آيات التأييد الباهرة، والجامع القلوب على طاعة من أطاعه في الدفاع عن أهل بيت نبيه، والمحسن إلى من أحسن إلى مهجته غيرة لأئمة الهدى المصطفين من عترة وصيه، والمذلل الصعاب لمن رفع راية الإيمان ونشرها، والميسر الطلاب لمن أحيا كلمة التوحيد وأنشرها، ممن احب الله ورسوله ممن اصطفاه من أبرار عباده، والماحي إساءة من أعلن ببيان الحق وجهر بعباده، والمعرض من أسعده بالسبق إلى مرضاته، لنيل غايات المن الجسيم والمرتب من جاء في ذاته، في أرفع مراتب الإجلال والتفخيم، والموجب لمن أخلص منه وأحسن عملا تعجيل مقام الفخر الكريم، وتأجيل الخلود في النعيم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
والحمد لله الذي أوضح أنوار الحقائق بأنبيائه الهداة، وأبان برسله الأمناء لعباده مناهج النجاة، وجعل العمل بمراشدهم ذريعة الموقنين إلى علي المنازل ورفيع الدرجات، وختمهم بأفضلهم نفساً ومحتدا، وأحقهم بأن يكون لكفاتهم سيدا، محمد هادي النام، والداعي إلى الإسلام، والمخصوص بانشقاق القمر وتظليل الغمام، وأورث أخاه وأبن عمه باهر شرفه وبارع علمه، وأفرده بإمامة البشر وخص، واقرها فيه في عقبه إلى يوم القيامة بجلي النص، فأصبحت الإمامة للملة الحنيفية قواما، ولأسباب الشريعة بأسرها نظاما، ونقل الله نورها في أئمة الهدى من نسله فتناولها الآخر من الأول، وتلقاها الأكمل عن الأكمل، فكلما رام معاند بحيف نورها، أو قصد منافق إخفاء ظهورها، زاد أنوارها إشراقا، ووجد لبذورها كمالا واتساقا، ومكن قواعد دولتها وإن زحزحها الغادرون، وأحكم معاقدها وإن جهد في حلها الماكرون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
والحمد لله الذي حفظ بأمير المؤمنين نظام الخلافة واتساقها، وحمى لميامنه دوحة الإمامة وأبقى نضرتها وإبراقها، وأورث خصائص الأئمة الراشدين في آبائه، وأودعه سرائر دينه المصونة في صدور أنبيائه، وأيده بموارد الإرشاد والإلهام، وجعل طاعته فرضاً مؤكدا على كافة الأنام، وخصه بالتوفيق والعصمة، وأفاض للأمة به سجال الرحمة، وأبرم بأمانته أمر الملة، وأحكم معاقد الدين، وجعله من هداته، قال جل وعلا فيهم: )وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين(.
يحمده أمير المؤمنين على ما نقله إليه من خصائص آبائه الأئمة الأطهار، وأيده به في أنصار دعوته من العلو والاستظهار، واتخذه به من جنود السماء والأرض وأظهر له من معجزاته وآياته، وأظهر بمزيته من مظاهر الظفر لألويته وراياته.
ونسأله أن يصلي على جده محمد نبيه الأمين، ورسوله المبعوث في الأميين، الهادي إلى جنات النعيم، والمحيطة متابعته بالفوز العظيم، الذي جلى الله ظلمات الجهالة بمبعثه، وشرف الأئمة من ذريته بمقامه ومورثه، ورد النافر إلى الطاعة بالبر والإيناس، وجعله خير رسول إلى خير أمة أخرجت للناس.
وعلى أخيه وأبن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قسيمه في المناسب والفضائل، وثالثه في تشفيع الذرائع والوسائل، ومفرج الكرب عنه بموازرته وصدق كفاحه، وباب مدينة علمه الذي لا يوصل إليه إلا باستفتاحه، وعلى الأئمة من ذريتهما الذين بلغ الله بهم الأرب والسؤال، وأغنى الأئمة بهداهم عن التقفية بعده برسول، والعترة المصطفين، وأحد الثقلين، وبحار العلم الزاخرة، والمرجوين لصلاح الدنيا والآخرة، وسلم ومجد، ووالى وردد. (1/284)
وإن أمير المؤمنين لما مهده الله من ذوي الشرف الباذخ، وحازه لمنصبه من الفخر الأصيل والمجد الشامخ، وأفرد به من خلافته على العالمين، وأورثه إياه من غوامض الحكم التي لا يعقلها إلا أعيان العالمين، وحباه به من ضروب الوجاهة والكرامة، وفاض عليه من أنوار الإمامة، وواصله إليه من العناية الشاملة والبر الخفي، وجمعه له من الإحسان الجلي واللطف الخفي، وأقره من مواهب الفضل والإفضال لديه، وجعل في كل حركة وسكون دليلاً واضحا يشير إليه، يقدر نعم الله حق قدرها، ويواصل العكوف على الاعتداد بها ونشرها، ويبالغ في شكرها قولاً وعملا ونية، ويجهد نفسه في حمدها اجتهاداً يرجو به درك الأمنية، ويتحقق أن أسماها محلاً وقدرا، وأولاها على كافة البرية ثناء وشكرا، وأعلاها قيمة، وأعمها نفعا وأعذبها ديمة، وأجمعها لضروب الجدل والاستبشار، وأجدرها بأن تؤثر في الأمم أحسن الآثار، وأوسعها في مضمار الاعتداد مجالاً، وأعظمها على الرئيس والمرؤوس نفعا وجمالا. النعمة بك أيها السيد الأجل والتغوث والدعاء إذ كنت نجدة الله المذخورة لأمنائه على خلقه، والقائم دون البرية بما افترضه عليهم من مظاهرة أمير المؤمنين والأخذ له بحقه، واللطف الذي كان في الإمامة ومن إعدامها حاجزا، والنصر الذي أصبح به أمير المؤمنين بعون الله فائزا، وحزب الله القاهر الغالب، وشهاب أمير المؤمنين الصائب الثاقب، وظله الذي يفئ على العام والخاص، ومنهل فضله الذي يصفو ويعذب لذوي الولاء والإخلاص، وسيفه الذي يستأصل ذوي الشقاق والنفاق، ويده التي ينبعث منها ينابيع العطاء وسحائب الأرزاق، والولى الذي ارتضاه أمير المؤمنين للمصالح كفيلا، والصفي الذي لا تبغي دولته عن موازرته تبديلا ولا تحويلا.
فعلو قدرك عند أمير المؤمنين لا ينتهي إلى أمد محدود، وقيامك في الأخذ بحقه يتجاوز كل سعي مبرور ومقام محمود، ودعائمه بنصرك الله في طاعته يصفو عنده كل عظيم في مجافاتك، وشفاؤك صدر أمير المؤمنين من أعدائه، أعجز القدرة عما يشفى غليله في إحسان مجازاتك.
ولقد حزت من المآثر ما فقت به أهل عصرك قدما وسبقا، وسموت بجمالك إلى ذوي مجد لا تجد الهمم العلية إلى تمنيها مرقا، وما زلت في كل أزمنتك سلطانا مهيبا، وفردا في المجالس لا تدرك له الأفكار ضريبا، ومطاعاً تبارك بأنبائه الأندية والمحافل، وهماما تخضع باسمه المهائب وتذعن الجحافل، وسيدا تلقى إليه مقاليد التقدمة والسيادة، ومعظما ليس على ما خصه الله به من التعظيم موضع الزيادة.
وكشف الله أمرك في الولاء فدعاك الأئمة ظهيراً، وزاد في إنعامه على الأمة فارتضاك لهداة أهل بيته معينا ونصيرا، ووفر نصيبك من الفضائل والمناقب فوهبك منها ما أفاضه عليك شرفا، وأحظى الملوك بتمكنك منهم وكونك لهم فخراً وشرفا، فلا رتبة علاء إلا وقد فرعتها منزلاً، ولا منزلة سناء إلا وقد سموت إليها منتقلا، ولا مزية فضل إلا احتويت عليها وحزتها، ولا منزلة فخر إلا طلتها بفضائلك وجزتها، ولا مأثرة إلا وكنت فاتح بابها، ولا منزلة خطيرة إلا وأنت مستوجبها وأولى بها، ولا سماة مجد إلا وخصائلك طالعة في آفاقها أقمارا، ولا موقف فضل إلا ولك فيه تقدم لا تنازع فيه ولا تماري، فما يوجد مقدم إلا وقد فضلته بآثارك وتقدمته، ولا مميز إلا أسمته في جناب فضلك ورسمته.
تقلدت جلائل الأمور فلبستها نباهة وتقويما، وباشرتها فأحرزت بمناقبك جلالة ووجاهة وتفخيما، تجرجر بك الرتب أذيال الفخر والإجلال، وتزهى بأفعالك التي يبعث عليها ما أوتيته من شرف الجلال.
ولم تزل تدابير أولياء الدولة ورجالها بفضائل سياستك فتثبت لهم الأقدام، وتكسبهم عزة النفوس فيستهينوا في حق الانتصار بك بملاقاة الحمام.