تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب : الرد على الجهمية للدارمي
مصدر الكتاب : موقع جامع الحديث
http://www.alsunnah.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

108 - حدثنا محمد بن منصور الذي يقال له الطوسي ، من أهل بغداد ، ثنا علي بن شقيق ، أنبأ حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ( وجوه يومئذ ناضرة (1) ) ، إلى ربها ناظرة . قال : ينظرون إلى الله نظرا
__________
(1) سورة : القيامة آية رقم : 22

(1/119)


109 - حدثنا الزهراني أبو الربيع ، ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن كعب ، قال : ما نظر الله عز وجل إلى الجنة إلا قال : طيبي لأهلك ، فزادت طيبا على ما كانت ، وما مر يوم كان لهم عيدا في الدنيا إلا يخرجون في مقداره في رياض الجنة ، ويبرز لهم الرب ينظرون إليه ، وتسفى عليهم الريح بالطيب والمسك ، فلا يسألون ربهم شيئا إلا أعطاهم ، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفا

(1/120)


110 - حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري ، أنبأ إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمراء الأجناد : « أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله وطاعته والتمسك بأمره ، والمعاهدة على ما حملك الله من دينه ، واستحفظك من كتابه ، فإن بتقوى الله نجا أولياؤه من سخطه ، وبها تحقق لهم ولايته ، وبها وافقوا أنبياءه ، وبها نضرت وجوههم ، ونظروا إلى خالقهم » قال أبو سعيد رحمه الله : فهذه الأحاديث كلها وأكثر منها قد رويت في الرؤية ، على تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا ، ولم يزل المسلمون قديما وحديثا يروونها ويؤمنون بها ، لا يستنكرونها ولا ينكرونها ، ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال ، بل كان من أكبر رجائهم ، وأجزل ثواب الله في أنفسهم النظر إلى وجه خالقهم ، حتى ما يعدلون به شيئا من نعيم الجنة . وقد كلمت بعض أولئك المعطلة وحدثته ببعض ، هذه الأحاديث ، وكان ممن يتزين بالحديث في الظاهر ويدعي معرفتها ، فأنكر بعضها ورد ردا عنيفا . قلت : قد صحت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن بعده من أهل العلم ، وكتاب الله الناطق به ، فإذا اجتمع الكتاب وقول الرسول وإجماع الأمة لم يبق لمتأول عندها تأول ، إلا لمكابر أو جاحد . أما الكتاب فقوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة (1) ) . وقوله : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (2) ) . ولم يقل للكفار : ( محجوبون ) إلا وأن المؤمنين لا يحجبون عنه ، فإن كان المؤمنون عندكم محجوبين عن الله كالكفار ، فأي توبيخ للكفار في هذه الآية إذا كانوا هم والمؤمنون جميعا عن الله يومئذ محجوبين . وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقوله : « لا تضامون في رؤيته ، كما لا تضامون في رؤية الشمس والقمر في الصحو » ثم ما روينا عن هذه الجماعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعين ، فهل عندكم ما رد ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع من الأمة ؟ فاحتج بحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : « نور ، أنى أراه ؟ » فقلت : هذا في الدنيا ، وكلاهما قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفسيرهما بين في الحديثين جميعا
__________
(1) سورة : القيامة آية رقم : 22
(2) سورة : المطففين آية رقم : 15

(1/121)


111 - فقالت عائشة رضي الله عنها : من زعم أن محمدا رأى ربه عز وجل فقد أعظم على الله الفرية (1) ، وتلت : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (2) ) حدثناه عمرو بن عون ، عن هشيم ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قال أبو سعيد : وأنتم وجميع الأمة تقولون به : إنه لم ير ، ولا يرى في الدنيا ، فأما في الآخرة فما أكبر نعيم أهل الجنة إلا النظر إلى وجهه ، والخيبة لمن حرمه ، وما تعجبون من أن كان الله ولا شيء من خلقه ، ثم خلق الخلق ، ثم استوى على عرشه فوق سمواته ، واحتجب من خلقه بحجب النار والظلمة ، كما جاءت به الآثار ، ثم أرسل إليهم رسله ، يعرفهم نفسه بصفاته المقدسة ، ليبلو بذلك إيمانهم أيهم يؤمن به ويعرفه بالغيب ولم يره ، وإنما يجزي العباد على إيمانهم بالله بالغيب ، لأن الله عز وجل لو تبدى لخلقه وتجلى لهم في الدنيا لم يكن لإيمان الغيب هناك معنى ، كما أنه لم يكفر به عندها كافر ، ولا عصاه عاص ، ولكنه احتجب عنهم في الدنيا ، ودعاهم إلى الإيمان به بالغيب ، وإلى معرفته ، والإقرار بربوبيته ليؤمن به من سبقت له منه السعادة ، ويحق القول على الكافرين . ولو قد تجلى لهم لآمن به من في الأرض كلهم جميعا بغير رسل ولا كتب ، ولا دعاة ، ولم يعصوه طرفة عين ، فإذا كان يوم القيامة تجلى لمن آمن به وصدق رسله وكتبه وآمن برؤيته وأقر بصفاته التي وصف بها نفسه ، حتى يروه عيانا ، مثوبة منه لهم وإكراما ، ليزدادوا بالنظر إلى من عبدوه بالغيب نعيما ، وبرؤيته فرحا واغتباطا ، ولم يحرموا رؤيته في الدنيا والآخرة جميعا ، وحجب عنه الكفار يومئذ إذ حرموا رؤيته كما حرموها في الدنيا ليزدادوا حسرة وثبورا . فاحتج محتج منهم بقول الله تعالى لموسى : ( لن تراني ، ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني (3) ) . قلنا : هذا لنا عليكم ، لا لكم ، إنما قال : ( لن تراني ) في الدنيا ، لأن بصر موسى من الأبصار التي كتب الله عليها الفناء في الدنيا ، فلا تحمل النظر إلى نور البقاء ، فإذا كان يوم القيامة ركبت الأبصار والأسماع للبقاء ، فاحتملت النظر إلى الله عز وجل بما طوقها الله . ألا ترى أنه يقول : ( فإن استقر مكانه فسوف تراني ) . ولو قد شاء لاستقر الجبل ورآه موسى ، ولكن سبقت منه الكلمة أن لا يراه أحد في الدنيا ، فلذلك قال : ( لن تراني ) . فأما في الآخرة فإن الله تعالى ينشئ خلقه فيركب أسماعهم وأبصارهم للبقاء ، فيراه أولياؤه جهرا ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : إنا لا نقبل هذه الآثار ، ولا نحتج بها ، قلت : أجل ، ولا كتاب الله تقبلون ، أرأيتم إن لم تقبلوها ، أتشكون أنها مروية عن السلف ، مأثورة عنهم ، مستفيضة فيهم ، يتوارثونها عن أعلام الناس وفقهائهم قرنا بعد قرن ؟ قالوا : نعم ، قلنا : فحسبنا إقراركم بها عليكم حجة لدعوانا أنها مشهورة مروية ، تداولتها العلماء والفقهاء ، فهاتوا عنهم مثلها حجة لدعواكم التي كذبتها الآثار كلها ، فلا تقدرون أن تأتوا فيها بخبر ولا أثر ، وقد علمتم ، إن شاء الله ، أنه لا يستدرك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأحكامهم وقضاياهم إلا بهذه الآثار والأسانيد على ما فيها من الاختلاف ، وهي السبب إلى ذلك ، والنهج الذي درج عليه المسلمون ، وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله عز وجل ، منها يقتبسون العلم ، وبها يقضون ، وبها يقيمون ، وعليها يعتمدون ، وبها يتزينون ، يورثها الأول منهم الآخر ، ويبلغها الشاهد منهم الغائب احتجاجا بها ، واحتسابا في أدائها إلى من لم يسمعها ، يسمونها السنن والآثار والفقه والعلم ، ويضربون في طلبها شرق الأرض وغربها ، يحلون بها حلال الله ، ويحرمون بها حرامه ، ويميزون بها بين الحق والباطل ، والسنن والبدع ، ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه ، ويعرفون بها ضلالة من ضل عن الهدى ، فمن رغب عنها فإنما يرغب عن آثار السلف وهديهم ، ويريد مخالفتهم ليتخذ دينه هواه ، وليتأول كتاب الله برأيه خلاف ما عنى الله به . فإن كنتم من المؤمنين ، وعلى منهاج أسلافهم ، فاقتبسوا العلم من آثارهم ، واقتبسوا الهدى في سبيله ، وارضوا بهذه الآثار إماما ، كما رضي بها القوم لأنفسهم إماما ، فلعمري ما أنتم أعلم بكتاب الله منهم ولا مثلهم ، ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما تروى . فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتبع غير سبيل المؤمنين ، وقال الله تعالى : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (4) ) . فقال قائل منهم : لا ، بل نقول بالمعقول . قلنا : هاهنا ضللتم عن سواء السبيل ، ووقعتم في تيه لا مخرج لكم منه ، لأن المعقول ليس لشيء واحد موصوف بحدود عند جميع الناس فيقتصر عليه ، ولو كان كذلك كان راحة للناس ولقلنا به ولم نعد ، ولم يكن الله تبارك وتعالى قال : ( كل حزب بما لديهم فرحون (5) ) فوجدنا المعقول عند كل حزب ما هم عليه والمجهول عندهم ما خالفهم ، فوجدنا فرقكم معشر الجهمية في المعقول مختلفين ، كل فرقة منكم تدعي أن المعقول عندها ما تدعو إليه ، والمجهول ما خالفها ، فحين رأينا المعقول اختلف منا ومنكم ومن جميع أهل الأهواء ، ولم نقف له على حد بين في كل شيء ، رأينا أرشد الوجوه وأهداها أن نرد المعقولات كلها إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى المعقول عند أصحابه المستفيض بين أظهرهم ، لأن الوحي كان ينزل بين أظهرهم ، فكانوا أعلم بتأويله منا ومنكم ، وكانوا مؤتلفين في أصول الدين ، لم يفترقوا فيه ، ولم تظهر فيهم البدع والأهواء الحائدة عن الطريق . فالمعقول عندنا ما وافق هديهم ، والمجهول ما خالفهم ، ولا سبيل إلى معرفة هديهم وطريقتهم إلا هذه الآثار ، وقد انسلختم منها ، وانتفيتم منها بزعمكم ، فأنى تهتدون ؟ . واحتج محتج منهم بقول مجاهد : ( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة (6) ) . قال : تنتظر ثواب ربها . قلنا : نعم ، تنتظر ثواب ربها ، ولا ثواب أعظم من النظر إلى وجهه تبارك وتعالى . فإن أبيتم إلا تعلقا بحديث مجاهد هذا ، واحتجاجا به دون ما سواه من الآثار ، فهذا آية شذوذكم عن الحق واتباعكم الباطل ، لأن دعواكم هذه لو صحت عن مجاهد على المعنى الذي تذهبون إليه كان مدحوضا القول إليه ، مع هذه الآثار التي قد صحت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجماعة التابعين ، أولستم قد زعمتم أنكم لا تقبلون هذه الآثار ولا تحتجون بها ، فكيف تحتجون بالأثر عن مجاهد إذ وجدتم سبيلا إلى التعلق به لباطلكم على غير بيان ؟ وتركتم آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين إذ خالفت مذهبكم ، فأما إذا أقررتم بقبول الأثر عن مجاهد ، فقد حكمتم على أنفسكم بقبول آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم ، لأنكم لم تسمعوا هذا عن مجاهد ، بل تأثرونه عنه بإسناد ، وتأثرون بأسانيد مثلها أو أجود منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه والتابعين ما هو خلافه عندكم . فكيف ألزمتم أنفسكم اتباع المشتبه من آثار مجاهد وحده ، وتركتم الصحيح المنصوص من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونظراء مجاهد من التابعين ، إلا من ريبة وشذوذ عن الحق . إن الذي يريد الشذوذ عن الحق ، يتبع الشاذ من قول العلماء ، ويتعلق بزلاتهم ، والذي يؤم الحق في نفسه يتبع المشهور من قول جماعتهم ، وينقلب مع جمهورهم ، فهما آيتان بينتان يستدل بهما على اتباع الرجل ، وعلى ابتداعه
__________
(1) الفرية : الكذب
(2) سورة : الأنعام آية رقم : 103
(3) سورة : الأعراف آية رقم : 143
(4) سورة : النساء آية رقم : 115
(5) سورة : المؤمنون آية رقم : 53
(6) سورة : القيامة آية رقم : 22

(1/122)


باب ذكر علم الله تبارك وتعالى

(1/123)


112 - حدثنا نعيم بن حماد ، ثنا ابن أبي حازم يعني عبد العزيز ، عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « سبق علم الله في خلقه ، فهم صائرون إلى ذلك »

(1/124)


113 - حدثنا نعيم ، ثنا ابن المبارك ، ثنا الأوزاعي ، قال : أخبرني ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن الديلمي ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « جف القلم على علم الله عز وجل » قال أبو سعيد : ومالنا نرى أن يبلغ غدا قوم في تعطيل صفات الله ما بلغ بهذه العصابة عدلهم في تعطيلها ، حتى أنكروا سابق علم الله في خلقه ، وما الخلق عاملون قبل أن يعملوا . ثم قالوا : ما نقول إن الله من فوق عرشه يعلم ما في الأرض ، ولكن علم الله هو الله بزعمهم ، والله بزعمهم في كل مكان ، ليس له علم به يعلم ، ولا هو يسمع بسمع ، ولا يبصر ببصر ، إنما سمعه وبصره وعلمه بزعمهم شيء واحد ، فلا السمع عندهم غير البصر ، ولا البصر غير السمع ، ولا العلم غير البصر ، هو كله بزعمهم سمع وبصر وعلم ، وهو بكليته في كل مكان ، إن علم علم بكله ، وإن سمع سمع بكله ، وإن رأى رأى بكله . ويزعمون أن علم الله بمنزلة النظر والمشاهدة ، لا يعلم بالشيء حتى يكون ، فإذا كان الشيء علم به علم كينونته ، لا بعلم لم يزل في نفسه قبل كينونته ، ولكن إذا حدث الشيء كان هو عند الشيء ، ومعه الشيء بنفسه ، فإن أراد ذلك الشيء ، كان هو يدل الشيء بزعمهم من مكانه ، فذلك إحاطة علم الله بالأشياء عندهم ، لا أن يكون علم بشيء منها في نفسه قبل كينونته ، فتبارك الله رب العالمين ، وتعالى عما يصفون . هذا هو الرد لكتاب الله والجحود لآيات الله ، وصاحب هذا المذهب يخرجه مذهبه إلى مذهب الزندقة حتى لا يؤمن بيوم الحساب ، لأن الذي لا يقر بالعلم السابق بالأشياء قبل أن تكون ، يلزمه في مذهبه أن لا يؤمن بيوم الحساب ، وبقيام الساعة والبعث والثواب والعقاب ، لأن العباد إنما لزمهم الإيمان بها لإخبار الله بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنه محاسبهم يوم الحساب ، مثيبهم ، ومعاقبهم . فإذا كان الله بزعمهم لا يعلم بالشيء حتى يكون ، كيف علم في مذهبهم بقيام الساعة ، والبعث ولم تقم الساعة بعد ، ولا تقوم إلا بعد فناء الخلق ، وارتفاع الدنيا ؟ فإن أقروا لله بعلم قيام الساعة ، والبعث ، والحساب ، لزمهم أن يقروا له بعلم كل شيء دونها ، فإن أنكروا علم الله عز وجل بما دونها لزمهم الإنكار بها وبقيامها ، وبالبعث والحساب ، لأن علمه بالساعة كعلمه بالخلق وأعمالهم سواء لا يزيد ولا ينقص ، فمن لم يؤمن بأحدهما لزمه أن لا يؤمن بالآخر ، وهي من أوضح الحجج وأشدها على من رد العلم وأنكره . واعلموا أن الله عز وجل لم يزل عالما بالخلق وأعمالهم قبل أن يخلقهم ، ولا يزال بهم عالما ، لم يزدد في علمه بكينونة الخلق خردلة واحدة ولا أقل منها ولا أكثر ، ولكن خلق الخلق على ما كان في نفسه قبل أن يخلقهم ، ومن عنده بدأ العلم ، وهو علم الخلق ما لم يعلموا ، فقال تبارك وتعالى : ( علم الإنسان ما لم يعلم (1) ) . وقال للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال إني أعلم ما لا تعلمون (2) )
__________
(1) سورة : العلق آية رقم : 5
(2) سورة : البقرة آية رقم : 30

(1/125)


114 - فبلغنا في تفسيره عن مجاهد قال علم من إبليس المعصية وخلقه لها
حدثناه نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن مجاهد
قال أبو سعيد ولعمري ما علمت الملائكة بسفك الدماء والفساد غيبا من قبل أنفسهم ولكن علمهم ذلك علام الغيوب قبل أن يقولوا ولذلك ادعوا معرفته
وقال أيضا ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) البقرة 31 - 33 ، فأخبر الله تبارك وتعالى أنه هو الذي علم آدم والملائكة العلم من غير أن يعلموا شيئا منه وأقرت الملائكة بذلك وردت العلم كله إلى من بدأ منه فقالوا ( لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) فهل علمهم إلا ما قد علمه قبل ذلك
وقال فيما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ( وكان الله عليما حكيما ) النساء 17 ، ( عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) الحشر 32 ، ( أحاط بكل شيء علما ) الطلاق 12، ( يعلم ما يسرون وما يعلنون ) البقرة 77 ، ( يعلم سركم و جهركم ويعلم ما تكسبون ) ، الأنعام 3 ، ( يعلم السر وأخفى ) طه 7 ، قال ما لم تحدث به نفسك ، ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) غافر 19 ، فأخبر الله سبحانه أنه كان العالم قبل كل أحد ومنه بدأ العلم قال ( ومن عنده علم الكتاب ) الرعد 43 ، وقال ( فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم ) آل عمران 61 ، جاءه العلم من الله وهو القرآن ثم أخبر بعلمه السابق في عباده قبل أن يعلموا فقال ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) الآية ، الجاثية 23 ، وقال ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) سبأ 3 وقال ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ) ، المائدة 116 ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) البقرة 235 ، ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) الآية المزمل 20 ، وما أشبه هذا من كتاب الله كثير ولولم يكن منها في كتاب الله إلا حرف واحد لاكتفي به حجة بالغة فكيف والكتاب كله ينطق بنصه يستغنى فيه بالتنزيل عن التفسير وتعرفه العامة والخاصة
فلم تزل عليه الأمة إلى أن نبغت هذه النابغة بين أظهر المسلمين فأعظموا في الله القول وسبوه بأقبح السباب وجهلوه ونفوا عنه صفاته التي بها يعرف صفة صفة حتى نفوا عنه العلم الأول السابق والكلام والسمع والبصر والأمر كله ثم جعلوه كلا شيء فقالوا في الجملة ما نعرف إلها غير هذا الذي في كل مكان فإذا باد شيء صار مكانه فنظرنا في صفة معبودهم هذا فلم نجد بهذه الصفة شيئا غير هذا الهواء القائم على كل شيء الداخل في كل مكان فمن قصد بعبادته إلى إله بهذه الصفة فإنما يعبد غير الله وليس معبوده ذاك بإله كفرانه لا غفرانه
فاحذروا هؤلاء القوم على أنفسكم وأهليكم وأولادكم أن يفتنوكم أو يكفروا صدوركم بالمغاليط والأضاليل التي تشتبه على جهالكم فإن الله تعالى قال في كتابه ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملآئكة غلاط شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم 6
فإن جحد منهم جاحد وانتفى من بعض ما حكينا عنهم فلا تصدقوهم فإنه دينهم الذي يعتقدونه في أنفسهم لا يجحد ذلك منهم إلا متعوذ مستتر أو جاهل بمذاهبهم لا يتوجه بشيء منها فقد اعترف لنا بذلك بعض كبرائهم أو بما يشبه معناه وأسندوا بعض ذلك إلى بعض المضلين من أشياخهم فإلى الله اشكوا رأيا هذا تأويله وقوما هذا إبطالهم لعلم ربنا
والله لقد علمت الملآئكة بما علمهم الله ما هو كائن من بني آدم من الفساد وسفك الدماء قبل أن يخلقوا فكيف خالقهم الذي علمهم ذلك فقالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فقال ( إني أعلم ما لا تعلمون ) البقرة 30
ووصف الله هذه الأمة في التوراة والإنجيل قبل أن يخلقوا بصفاتهم فكيف وصفهم من غير علم له بهم فقال ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ) الفتح 29 ، قال ( فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) الأعراف 156 - 157 ، فهل كان هذا الوصف من الله والإخبار عنهم إلا لعلمه السابق فيهم فما قدروا أن يتعدوا هذه الصفات ولا يقصروا عن شيء مما وصفهم الله به قبل أن يكونوا ، وقال ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) الأنبياء 105 ، فكتب ذلك بعلم قبل أن يرثوها وقال ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) الإسراء 4 ، قضى عليهم في الكتاب الإفساد في الأرض قبل أن يفسدوا

(1/126)


115 - وقوله : ( وقضينا (1) ) قال مجاهد : « كتبنا » ، كذلك حدثنا نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وقال : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (2) ) . سبقت لهم الحسنى من الله قبل أن يخلقوا لعلم الله فيهم ، فما استطاعوا أن يتعدوا شيئا علمه الله فيهم . وقال : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون (3) ) . وأخبر عن أعمال قوم قبل أن يعملوها . وقال : ( وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم (4) ) . فأخبر الله تعالى بتمتيعهم ومس العذاب إياهم قبل أن يخلقوا ، قال : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم (5) ) . روي في بعض التفاسير أنهم الأعاجم ، أخبر الله بدخولهم في الإسلام قبل أن يدخلوا . وقال لأهل بدر حين أخذوا الفداء من المشركين : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (6) ) . يقول : لولا ما سبق لأهل بدر من السعادة لمسهم العذاب في أخذهم الفداء ، فلم يقدر أهل بدر أن لا يأخذوه ، ولو حرصوا على تركه . وقال : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم (7) ) . وقال : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (8) ) . وقال : ( إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) . وقال : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (9) ) . فسبقت لهم منه الرحمة قبل أن يخلقوا ، والدعاء لمن سبقهم قبل أن يدعوا . وقال : ( فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون ، واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون (10) ) . فأخبر الله باتباعهم وإغراقهم قبل أن يكون . وقال : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك (11) ) . فأخبر باختلافهم قبل أن يختلفوا . وقال : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ، إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، وأحاط بما لديهم ، وأحصى كل شيء عددا (12) ) . وقال : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون (13) ) . ولكن علم منهم غير ذلك ، فصاروا إلى ما علم منهم . وأخبر بعلمه في قوم فقال : ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (14) ) . وأخبر عن قوم آخرين فقال : ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون (15) ) . فمن آمن بكتاب الله ، وصدق رسل الله اكتفى ببعض ما ذكرنا في علم الله السابق في الخلق وأعمالهم قبل أن يعملوها ، ومن يحصي ما في كتاب الله ، وفي آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين في إثبات علم الله له والإقرار به ، ويكفي في معرفة ذلك أقل مما جمعنا ، ولكن جمعناها ليتدبرها أهل العقول والأفهام فيعرفوا ضلالة هؤلاء الذين أخرجوا الله من العلم ونفوه عنه ، وجعلوه في العلم والمعرفة كالخلق سواء ، فقالوا : كما لا يعلم الخلق بالشيء قبل أن يكون ، فكذلك الله بزعمهم لا يعلم قبل أن يكون . فما فضل علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى على المخلوق الذي لا يعلم شيئا إلا ما علمه الله . وهذا المذهب الذي ادعوه في علم الله قد وافقهم على بعضه بعض المعتزلة ، لأنه لا يبقى مذهب الفريقين جميعا إلا برد علم الله ، فكفى به ضلالا ، ولأنهم متى ما أقروا بعلم سابق خصموا ، كذلك قال عمر بن عبد العزيز
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 4
(2) سورة : الأنبياء آية رقم : 101
(3) سورة : الصافات آية رقم : 171
(4) سورة : هود آية رقم : 48
(5) سورة : الجمعة آية رقم : 3
(6) سورة : الأنفال آية رقم : 68
(7) سورة : يونس آية رقم : 96
(8) سورة : الأنعام آية رقم : 28
(9) سورة : الحشر آية رقم : 10
(10) سورة : الدخان آية رقم : 23
(11) سورة : هود آية رقم : 118
(12) سورة : الجن آية رقم : 26
(13) سورة : الأنفال آية رقم : 22
(14) سورة : البقرة آية رقم : 6
(15) سورة : المؤمنون آية رقم : 75

(1/127)


116 - حدثنا نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن زيد بن رفيع الجزري ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : « من أقر بالعلم فقد خصم » قال أبو سعيد رحمه الله : فتأويل قولهم ومذهبهم أنه كلما حدث لله خلق حدث له علم بكينونته ، علم ما لم يكن علمه ، ففي تأويلهم هذا كان الله ولا علم له بزعمهم ، حتى جاء الخلق فأفادوه علما ، فكلما حدث خلق حدث لله علم بزعمهم ، فهو بما كان بزعمهم عالم ، وبما لم يكن غير عالم حتى يكون ، فتعالى الله عما يصفون . قال الله عز وجل : ( إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام (1) ) الآية . وقال : ( قل إنما العلم عند الله ، وإنما أنا نذير مبين (2) ) . وقال : ( قل إنما علمها عند ربي (3) ) . وقال : ( قال علمها عند ربي في كتاب (4) ) . فكيف يحدث لله علم بكينونة الخلق وعلى علمه السابق فيهم خلقوا ، وبما كتب عليهم في أم الكتاب يعملون ، لا يزيدون مثقال حبة ولا ينقصون . قال : ( وكل شيء فعلوه في الزبر ، وكل صغير وكبير مستطر (5) ) . وقال : ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (6) ) . وقال : ( ومن عنده علم الكتاب (7) ) . وقال : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم (8) ) . وقال : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير (9) ) . وقال ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب (10) ) . ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير (11) ) . وقال : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم (12) ) . فهل كتب هذه الأشياء قبل كينونتها إلا للعلم بها قبل أن تكون ؟
__________
(1) سورة : لقمان آية رقم : 34
(2) سورة : الملك آية رقم : 26
(3) سورة : الأعراف آية رقم : 187
(4) سورة : طه آية رقم : 52
(5) سورة : القمر آية رقم : 52
(6) سورة : الزخرف آية رقم : 4
(7) سورة : الرعد آية رقم : 43
(8) سورة : التوبة آية رقم : 36
(9) سورة : الحديد آية رقم : 22
(10) سورة : فاطر آية رقم : 11
(11) سورة : الحج آية رقم : 70
(12) سورة : آل عمران آية رقم : 154

(1/128)


117 - حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري ، أنبأ الليث وهو ابن سعد : حدثني عبد الله بن حيان ، قال : حدثني عبد الوهاب بن بخت ، أو ثعلبة الخثعمي ، عن أبي أمامة الباهلي ، رضي الله عنه قال : « أيها الناس ، لا يشتبه عليكم بأن الله علم علما ، وخلق خلقا ، فإن كان العلم قبل الخلق فالخلق يتبع العلم ، وإن كان الخلق قبل العلم فالعلم يتبع الخلق » قال ابن أبي مريم : وأخبرنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن حيان ، عن عبد الوهاب بن بخت ، عن أبي أمامة ، مثله . قال أبو سعيد : فادعت هذه العصابة أن الخلق قبل العلم ، والعلم يتبع الخلق ، فأي ضلال أبين من هذا ؟ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أول شيء خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب كل شيء يكون » قال أبو سعيد رحمه الله : فلم يدر ، والله ، القلم بما يجري ، حتى أجراه الله بعلمه ، وعلمه ما يكتب مما يكون قبل أن يكون . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كتب الله مقادير أهل السموات والأرض قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة » فهل كتب ذلك إلا بما علم ، فما موضع كتاب هذا إن لم يكن علمه في دعواهم ؟ ثم الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشبه هذا ، وعن أصحابه جملة كثيرة ، أكثر من أن يحصيها كتابنا هذا ، وسنأتي منها ببعض ما حضر ، إن شاء الله ، مع أنا نعلم أنهم يكذبون بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يؤمنون بها ، ولكن خير منهم وأطيب وأفضل وأعلم الناس من يؤمن بها فيتقيهم

(1/129)


118 - حدثنا نعيم بن حماد ، وأحمد بن جميل ، أن ابن المبارك ، أخبرهم : أنبأ رباح بن زيد ، عن عمر بن حبيب ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أول شيء خلقه الله القلم ، فأمره فكتب كل شيء يكون »

(1/130)


119 - حدثنا عبد الله بن صالح المصري ، قال : حدثني الليث يعني ابن سعد ، عن أبي هانئ حميد بن هانئ ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « كتب الله مقادير (1) كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة »
__________
(1) المقادير : جمع مقدار وهو ما يقضي به الله على عباده ، وما يحدده من كميات الأشياء

(1/131)


120 - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا عبد الله بن بكر السهمي ، ثنا بشر بن نمير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، وأخذ ميثاق (1) النبيين ، وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه ، وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى ، وكلتا يدي الرحمن يمين ، وقال : يا أصحاب اليمين قالوا : لبيك وسعديك قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . ثم قال : يا أصحاب الشمال قالوا : لبيك ربنا وسعديك ، قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، فخلط بعضهم ببعض ، فقال قائل : يا رب لم خلطت بيننا ؟ قال : ( لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون (2) ) . وقوله : ( إنا كنا عن هذا غافلين (3) ) ، ثم ردهم في صلب آدم » قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين ، وعرشه على الماء ، وأهل الجنة أهلها ، وأهل النار أهلها » ، فقال قائل : يا نبي الله ما الأعمال ؟ قال : « أن يعمل كل قوم لمنزلتهم » ، فقال عمر : إذا نجتهد . قال : وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأعمال ، فقيل : يا رسول الله أرأيت الأعمال ، أهو شيء يؤتنف ، أو فرغ منها ؟ قال : « بل فرغ منها »
__________
(1) الميثاق : العهد
(2) سورة :
(3) سورة : الأعراف آية رقم : 172

(1/132)


121 - حدثنا نعيم بن حماد ، ثنا ابن المبارك ، أنبأ المسعودي ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله عز وجل : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم (1) ) قال خلق الله آدم ، فأخذ ميثاقه أنه ربه ، وكتب أجله ورزقه ومصائبه ، وأخرج ولده من ظهره كهيئة الذر ، فأخذ مواثيقهم (2) أنه ربهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 172
(2) المواثيق : جمع ميثاق ، وهو العهد

(1/133)


122 - حدثنا محمد بن كثير العبدي ، ثنا سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « إن الله خلق أهل الجنة وما هم عاملون ، وخلق أهل النار وما هم عاملون ، فقال : هؤلاء لهذه ، وهؤلاء لهذه »

(1/134)


123 - حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، أنبأ أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أطفال المشركين ، فقال : « الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم » حدثنا نعيم بن حماد ، ثنا ابن المبارك ، عن أيوب ، عن الزهري ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله

(1/135)


124 - حدثنا عمرو بن عون ، أنبأ هشيم ، عن خالد وهو الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ابن أبي الجدعاء ، قال : قال رجل : يا رسول الله متى كتبت نبيا ؟ قال : « وآدم بين الروح والجسد »

(1/136)


125 - قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْيَمَانِ ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيَّ حَدَّثَهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ

(1/137)


126 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنْبَأَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ

(1/138)


127 - حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، قال : حدثني أبو قبيل ، عن شفي بن ماتع الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان ، فقال : « أتدرون ما هذان الكتابان ؟ » ، قالوا : لا يا رسول الله ، فقال للأيمن منهما : « هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، أجمل على آخرهم ، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا » ، وقال للذي في يده اليسرى : « وهذا كتاب بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا » فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلأي شيء يعمل إن كان هذا الأمر قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سددوا (1) وقاربوا (2) ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيما عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أيما عمل » ثم قبض يديه وقال : « فرغ (3) ربكم من العباد » ، ثم قال بيده اليمنى فنبذ بها ، فقال : « فريق في الجنة » ، ونبذ بالأخرى وقال : « فريق في السعير » قال أبو سعيد : فهؤلاء قد كتبهم الله بأسمائهم التي كان في علمه أن يسميهم بها آباؤهم وأمهاتهم قبل أن يخلقهم ، فما قدر الآباء لتلك الأسماء تبديلا ، ولا استطاع إبليس لمن هدى الله منهم تضليلا . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين ، فقال : « الله أعلم بما كانوا عاملين » ، فرد أمرهم إلى سابق علم الله فيهم قبل أن يخلقوا ، وقبل أن يعملوا . وقال الله عز وجل : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (4) ) وقال : ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ، فلا تزكوا أنفسكم ، هو أعلم بمن اتقى (5) ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يكتب بين عيني المولود ما هو لاق قبل أن يولد ، حتى النكبة ينكبها »
__________
(1) سددوا : الزموا السداد وهو الصواب بلا إفراط وبلا تفريط
(2) قارب : اقتصد وحاول الوصول إلى الكمال
(3) الفروغ : الانتهاء من الأمر
(4) سورة : القلم آية رقم : 7
(5) سورة : النجم آية رقم : 32

(1/139)


128 - حدثنا أحمد بن صالح المصري ، ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أن عبد الرحمن بن هنيدة ، حدثه أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا أراد الله عز وجل أن يخلق النسمة قال ملك الأرحام معرضا : يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله أمره ، ثم يقول : يا رب ، شقي أم سعيد ؟ فيقضي الله أمره ، ثم يكتب بين عينيه ما هو لاق ، حتى النكبة (1) ينكبها »
__________
(1) النكبة : ما يصيب الإنسان من الحوادث والمصائب صغيرها وكبيرها

(1/140)


129 - حدثنا معاذ بن محمد بن كثير ، أنبأ سفيان الثوري ، عن الأعمش ، ثنا زيد بن وهب ، قال : ثنا عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه قال : ثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق : « إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين ليلة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا ، فيؤمر بأربع كلمات ، فيقول : اكتب عمله ، وأجله ، ورزقه ، وشقي أم سعيد ، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع ، فيغلب عليه الكتاب الذي سبق ، فيختم بعمل أهل النار فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع ، فيغلب عليه الكتاب الذي سبق ، فيختم بعمل أهل الجنة ، فيدخل الجنة »

(1/141)


130 - حدثناه أبو عمر الحوضي ، ثنا شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق . ذكر نحوه قال : « فيكتب رزقه ، وعمله ، وأجله ، وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح »

(1/142)


131 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، رضي الله عنه قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، قال : فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا ، ومعه مخصرة ، فنكس ، فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : « ما منكم من أحد من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار ، وإلا قد كتبت شقية ، أو سعيدة » قال : فقال رجل : يا رسول الله أفلا نتكل على كتاب ربنا وندع العمل ، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ؟ قال : « اعملوا أما أهل السعادة فييسرون (1) لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة » ، ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى (2) ) إلى قوله : ( فسنيسره للعسرى (3) )
__________
(1) فييسرون : يسهل الله لهم سبيل العمل الصالح والسعادة
(2) سورة : الليل آية رقم : 5
(3) سورة : الليل آية رقم : 10

(1/143)


132 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ ، أَفِي أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ ، أَوْ مُبْتَدَأٌ ، فَقَالَ : فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ « ، فَقَالَ عُمَرُ : أَفَلا نَتَّكِلُ ؟ فَقَالَ : » اعْمَلْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، فَهُوَ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ، فَهُوَ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَنْ فَرَغَ مِنْهُ إِلا مَنْ قَدْ عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ، وَمَنْ يُيَسِّرُهُمْ لِمَا خَلَقَهُمْ لَهُ إِلا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ ؟ فَسُبْحَانَ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ ، وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا
فَيُقَالُ لِمَنْ رَدَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهَذِهِ الأَخْبَارِ ، وَلَمْ يُقِرَّ لِلَّهِ بِعِلْمٍ سَابِقٍ : أَرَأَيْتَ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ؟ فَإِنْ قَالَ : لا ، فَقَدْ فَارَقَ قَوْلَهُ وَكَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَذَّبَ بِالْبَعْثِ ، وَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ نَفْسَهُ لا يُؤْمِنُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ ، وَإِنْ قَالَ : يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِكُلِّ الْعِلْمِ ، شَاءَ أَوْ أَبَى ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : أَعَلِمَ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَنَّهُ خَالِقُهُمْ ؟ فَإِنْ قَالَ : لا ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَإِنْ قَالَ : بَلَى ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْعِلْمِ السَّابِقِ ، وَانْتُقِضَ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ فِي رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ ، وَهُوَ مُنْتَقِضٌ عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِهِ

(1/144)


باب الإيمان بكلام الله تبارك وتعالى

(1/145)


133 - قال أبو سعيد فالله المتكلم أولا و آخرا لم يزل له الكلام إذ لا متكلم غيره ولا يزال له الكلام إذا لا يبقى متكلم غيره فيقول ( لمن الملك اليوم ) غافر 16 ، أنا الملك أين ملوك الأرض فلا ينكر كلام الله عز وجل إلا من يريد إبطال ما أنزل الله عز وجل وكيف يعجز عن الكلام من علم العباد الكلام وأنطق الأنام
قال الله في كتابه ( وكلم الله موسى تكليما ) النساء 164 ، فهذا لا يحتمل تأويلا غير نفس الكلام وقال لموسى ( إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) ، الأعراف 144 ، وقال ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ، البقرة 75 وقال ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) الفتح 15 ، وقال ( لا تبديل لكلمات الله ) يونس 64 ، ( وقال وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ) الأنعام 115 ، وقال ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) التوبة 6 ، وقال ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ) الصافات 171 ، وقال ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) البقرة 37
قال عبيد بن عمير الليثي في تفسيرها قال آدم لربه وذكر خطيئته رب أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني أم شيء ابتدعته فقال بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك قال فكما كتبته علي فاغفره لي قال فهؤلاء الكلمات التي قال الله عز وجل ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) البقرة 37 ،
حدثناه محمد بن كثير أنبأنا سفيان يعني الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال حدثني من سمع عبيد بن عمير يقوله ) يس 58 ، وقال لقوم موسى حين اتخذوا العجل ( أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) طه 89 وقال ( عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين ) الأعراف 148
قال أبو سعيد ففي كل ما ذكرنا تحقيق كلام الله وتثبيته نصا بلا تأويل ففيما عاب الله به العجل في عجزه عن القول والكلام بيان بين أن الله عز وجل غير عاجز عنه وأنه متكلم وقائل لأنه لم يكن يعيب العجل بشيء هو موجود به
وقال إبراهيم ( بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون ) الآية إلى قوله ( أفلا تعقلون ) الأنبياء 63 - 67 ، فلم يعب إبراهيم أصنامهم وآلهتهم التي يعبدون بالعجز عن كلام إلا وأن إلهه متكلم قائل
ففيما ذكرنا من ذلك بيان بين لمن آمن بكتاب الله وصدق بما أنزل الله وقال الله عز وجل ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) الكهف 109 ، وقال ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) لقمان 27 ، وصدق وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جمع مياه بحور السموات والأرض وعيونها وقطعت أشجارها أقلاما لنفدت المياه وانكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله لأن المياه والأشجار مخلوقة وقد كتب الله عليها الفناء عند انتهاء مدتها والله حي لا يموت ولا يفنى كلامه ولا يزال متكلما بعد الخلق كما لم يزل متكلما قبلهم فلا ينفد المخلوق الفاني كلام الخالق الباقي الذي لا انقطاع له في الدنيا والآخرة ولو كان على ما يذهب إليه هؤلاء الجهمية أنه كلام مخلوق أضيف إلى الله وأن الله عز وجل لم يتكلم بشيء قط ولا يتكلم بشيء قط ولن يتكلم لنفد كل مخلوق من الكلام قبل أن ينفد ماء بحر واحد من البحور لأنه لو جمع كلام خلق الله كلهم من الجن والإنس والملائكة والطير والبهائم كلها وجميع أعمالهم وكتب بماء بحر واحد من البحور لكتب كل ذلك ونفد قبل أن ينفد ماء بحر واحد ولا عشر بحر واحد ولكنه كلام لا انقطاع له فلا ينفد ما لا يفنى وينقطع ما يبقى
ثم الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين فمن بعدهم جمة كثيرة متظاهرة بتحقيق كلام الله وتثبيته وسنأتي منها ببعض ما حضر إن شاء الله

(1/146)


134 - حدثنا محمد بن كثير العبدي ، أنبأ إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف ، فيقول : « ألا رجل يحملني إلى قومه ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلمات ربي »

(1/147)


135 - حدثنا شهاب بن عباد الكوفي ، ثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه »

(1/148)


136 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ فَضْلَ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ

(1/149)


137 - حدثناه عقبة بن مكرم البصري ، ثنا معلى بن أسد ، ثنا محمد بن سواء ، ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن أشعث الحداني ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرحمن على سائر خلقه »

(1/150)


138 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، ثنا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السُّلَمِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيَّ ثُمَّ السُّلَمِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : « يَا جَابِرُ مَالِي أَرَاكَ مُهْتَمًّا ؟ » قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي ، وَتَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَعِيَالا ، فَقَالَ : « أَلا أُخْبِرُكَ ، مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ، فَقَالَ : يَا عَبْدُ ، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ : يَا رَبِّ ، تُحْيِينِي ، فَأُقْتَلَ فِيكَ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي » قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا « حَتَّى أَنْفَذَ الآيَةَ

(1/151)


139 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « لَقِيَ آدَمَ مُوسَى ، فَقَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ ، ثُمَّ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ ، فَأَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ آدَمُ : يَا مُوسَى أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ ، وَكَلَّمَكَ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا ، وَآتَاكَ التَّوْرَاةَ ، فَبِكَمْ تَجِدُهُ كَتَبَ عَلَيَّ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلْتُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي ؟ قَالَ : بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ، قَالَ : فَبِمَ تَلُومُنِي يَا مُوسَى ؟ » قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى

(1/152)


140 - حَدَّثَنَاهُ أَبُو سَلَمَةَ ، ثنا حَمَّادٌ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحُمَيْدٌ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ جُنْدُبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « لَقِيَ آدَمَ مُوسَى » ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ ، إِلا أَنَّهُ قَالَ : « وَكَلَّمَكَ وَآتَاكَ التَّوْرَاةَ ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنَا أَقْدَمُ أَمِ الذِّكْرُ ؟ قَالَ : الذِّكْرُ » قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى » ثَلاثًا

(1/153)


141 - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، ثنا أَبُو هَارُونَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَزَادَ فِيهِ : « أَنْ يَا مُوسَى ، أَرَأَيْتَ مَا عَلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ؟ »

(1/154)


142 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، فَقَالَ مُوسَى : يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ؟ فَقَالَ لَهُ قَوْلا كَبِيرًا ، لا أَحْفَظُهُ : أَغْوَيْتَ النَّاسَ ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ آدَمُ : يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ ، وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا ، تَلُومُنِي أَنْ أَعْمَلَ عَمَلا قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ؟ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : » فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى

(1/155)


143 - حَدَّثَنَا الأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ ، فَقَالَ : أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَعَلَّمَكَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ وَنَفْسَكَ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا مُوسَى ، قَالَ : أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : وَأَنْتَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ، لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولا مِنْ خَلْقِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابٍ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَبِمَ تَلُومُنِي عَلَى شَيْءٍ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْقَضَاءُ فِيهِ قَبْلِي ؟ » فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ : « فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى » صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا

(1/156)


144 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، أَنْبَأَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، أَنْبَأَ أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ ، ثنا أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ ، عَنْ وَالانَ الْعَدَوِيِّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُ : لَيْسَ ذَلِكُمْ عِنْدِي ، فَانْطَلَقُوا إِلَى مُوسَى ، فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا فَيَقُولُ مُوسَى : لَيْسَ ذَلِكُمْ عِنْدِي »

(1/157)


145 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو صَالِحٍ ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ، يَقُولُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَقَالَ : « إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ : اخْرُجْ فَحَدِّثْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ ، فَبَشَّرَنِي بِعَشْرٍ لَمْ يُؤْتَهَا نَبِيُّ قَبْلِي : بَعَثَنِي إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ الْجِنَّ ، وَلَقَّانِي كَلامَهُ وَأَنَا أُمِّيُّ ، قَدْ أُوتِيَ دَاوُدُ الزَّبُورَ ، وَمُوسَى الأَلْوَاحَ ، وَعِيسَى الإِنْجِيلَ »

(1/158)


146 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ عَطِيَّةَ وَهُوَ ابْنُ قَيْسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « مَا مِنْ كَلامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ كَلامِهِ ، مَا رَدَّ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ كَلامًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلامِهِ »

(1/159)


147 - حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ أَبِي عُمَرَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : أَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلا ؟ قَالَ : « آدَمُ » ، قُلْتُ : وَنبِيًّا كَانَ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، نَبِيًّا مُكَلَّمًا »

(1/160)


148 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ ، ثنا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلامٍ ، عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ سَلامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَنَبِيًّا كَانَ آدَمُ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، مُكَلَّمًا » قَالَ : كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ ؟ قَالَ : « عَشَرَةُ قُرُونٍ »

(1/161)


149 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ عِنْدِهَا ، فَخَرَجَ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَمَا تَعَالَى النَّهَارُ ، فَقَالَ : « مَا زِلْتِ فِي مَجْلِسِكِ هَذَا مُنْذُ خَرَجْتُ بَعْدُ ؟ » قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : « لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، وَلَوْ وُزِنَّ بِكَلِمَاتِكِ وَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، عَدَدَ خَلْقِهِ ، وَرِضَى نَفْسِهِ ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ »

(1/162)


150 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنْبَأَ يُونُسُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ؟ »

(1/163)


151 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، عِنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُمْ ؟ خَابُوا وَخَسِرُوا ، قَالَ : فَأَعَادَهَا ثَلاثًا ، فَقُلْتُ : مَنْ هُمْ ؟ خَابُوا وَخَسِرُوا ، قَالَ : « الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ، أَوِ الْفَاجِرِ »

(1/164)


152 - حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي حَمَّادٍ يَعْنِي الْحَنَفِيَّ ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَهْلِ زَمَانِهِ ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الشُّهَدَاءِ كُلِّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا مُثْقَلٌ ، قَدْ تَرَكَ أَبِي عَلَيَّ دَيْنًا وَعِيَالا ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ اللَّيْلِ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : « يَا جَابِرُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْيَا أَبَاكَ وَكَلَّمَهُ » قَالَ : قُلْتُ : وَكَلَّمَهُ كَلامًا ؟ قَالَ : « وَكَلَّمَهُ كَلامًا ، فَقَالَ لَهُ : تَمَنَّ قَالَ : أَتَمَنَّى أَنْ تَرُدَّ رُوحِي ، وَتَنْشُرَ خَلْقِي كَمَا كَانَ ، وَتُرْجِعَنِي إِلَى نَبِيِّكَ ، فَأُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ ، فَأُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى »

(1/165)


153 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن ليث عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء قال قال عمر رضى الله عنه إن هذا القرآن كلام الله فلا أعرفنكم ما عطفتموه على أهوائكم إلا أن يكفر به عبد عمد عين

(1/166)


154 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه قال هدي وكلام فخير الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

(1/167)


155 - حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي أبو سعيد حدثنا أحمد ابن بشر حدثنا مجالد عن الشعبي عن مسروق أن عبد الله قال القرآن كلام الله فمن قال فيه فليعلم ما يقول فإنما يقول على الله

(1/168)


156 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي رِجَالٌ ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ ، أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا ؟ » قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، كُنَّا نَقُولُ : وُلِدَ اللَّيْلَةَ عَظِيمٌ ، وَمَاتَ عَظِيمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَإِنَّهَا لا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا حَيَاةِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّمَا رَبُّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ، ثُمَّ يُسَبِّحُ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يُسَبِّحُ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، حَتَّى بَلَغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ : مَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ بِتَسْبِيحِ أَهْلِ السَّمَوَاتِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَتَخَطَّفُ الْجِنُّ السَّمْعَ ، فَيَذْهَبُونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ، فَإِذَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ ، وَلَكِنَّهُمْ يُرَقُّونَ فِيهِ » يَعْنِي يَقْرِفُونَ

(1/169)


157 - حدثنا محمد بن بشار العبدي حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضى الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كجر السلسلة على الصفوان قال فيفزعون يرون أنه من أمر الساعة ( حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) سبأ 23

(1/170)


158 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس رضى الله عنهما قال إن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمعوا مثل سلسلة الحديد على الصفوان فخروا سجدا فـ ( إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) سبأ 23 ، ثم ينزل الشيطان إلى الأرض فيزيد فيها سبعين كذبة

(1/171)


159 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل قال كنت جارا لخباب رضي الله عنه فخرجنا معه يوما إلى الجمعة فأخذ بيدي فقال يا هناه تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه

(1/172)


160 - حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله منه وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى من بعض زعموا أن عائشة رضي الله عنها قالت لشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها

(1/173)


161 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنْبَأَ يُونُسُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ مُخَاشِنٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَدِيغٍ ، فَقَالَ : « لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ تَضُرَّهُ »

(1/174)


162 - حَدَّثَنَا الْجُرْجُسِيُّ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ ، ثنا بَقِيَّةُ ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ مَخَاشِنٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَدِيغٍ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ ، فَقَالَ : « لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ ، لَمْ يُلْدَغْ » ، أَوْ « لَمْ تَضُرَّهُ »

(1/175)


163 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثنا حَمَّادٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْفَزَعِ : « أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ غَضَبِهِ ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ، وَأَنْ يَحْضُرُونِ »
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، بِإِسْنَادِهِ ، إِلا أَنَّهُ قَالَ : « مِنْ غَضَبِهِ ، وَعِقَابِهِ ، وَشَرِّ عِبَادِهِ

(1/176)


164 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، ثنا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ حَسَنًا وَحُسَيْنًا ، فَيَقُولُ : « أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ » ، وَكَانَ يَقُولُ : « كَانَ أَبُوكُمَا يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ »

(1/177)


165- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قُلْتُ : أَيُّ النَّبِيِّينَ أَوَّلا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : « آدَمُ » ، قُلْتُ : أَوَنَبِيًّا كَانَ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، مُكَلَّمًا ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَكَلَّمَهُ قِبَلا ، فَقَالَ : اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ

(1/178)


166 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، أَنْبَأَ أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ »

(1/179)


167 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ابْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ، أَوِ الْفَاجِرِ »

(1/180)


168 - حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معن حدثنا عبد الله بن عبد الله أبو أويس عن قرثع الغطفاني عن عقبة بن بشير بن المغيرة بن بشير الأسدي قال سألت محمد بن علي بن الحسين الهاشمي قال قلت يا أبا جعفر من أول من تكلم بالعربية قال إسماعيل بن إبراهيم النبي وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة قلت فما كان كلام الناس قبل ذلك قال العبرانية قلت فما كان كلام الله الذي أنزله على رسله وعباده ذلك الزمان قال العبرانية
قرأت على أبي اليمان قلت أخبركم شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه أخبره جزء بن جابر الخثعمي أنه سمع كعب الأحبار يقول لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق موسى يقول أي رب ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته يعني بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى
حدثنا محمد بن عثمان التنوخي أبو الجماهر حدثنا سعيد ابن بشير عن قتادة في قوله تعالى [ فصلت 41 - 42] ( إن الذين كفروا بالذكر ) بالقرآن ( لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز ) أعزه الله لأنه كلامه ( لا يأتيه الباطل ) وهو إبليس لا يستطيع أن ينتقص منه حقا أو يزيد فيه باطلا
قال أبو سعيد رحمه الله فهذه الأحاديث قد رويت وأكثر منها ما يشبهها كلها موافقة لكتاب الله في الإيمان بكلام الله ولولا ما اخترع هؤلاء الزائغة من هذه الأغلوطات والمعاني يردون بها صفات الله ويبدلون بها كلامه لكان ما ذكر الله من ذلك في كتابه كافيا لجميع الأمة مع أنه كاف شاف إلا لمتأول ضلال أو متبع ريبة فحين رأينا ذلك ألفنا هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين من بعدهم ليعلم من بقي من الناس أن من مضى من الأمة لم يزالوا يقولون في ذلك كما قال الله عز وجل لا يعرفون له تأويلا غير ما يتلى من ظاهره أنه كلام الرحمن تبارك وتعالى حتى نبغ هؤلاء الذين اقتربوا لرد كتاب الله عز وجل وتعطيل كلامه وصفاته المقدسة بهذه الأغلوطات التي لو ظهرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما كان سبيل من يظهرها بينهم إلا كسبيل أهل الردة أولها هذه الكلمة الملعونة التي فارقوا بها جميع أهل الصلاة فقالوا كلام الله مخلوق ، والحجج عليهم من رد ما أتوا به ما ذكرنا من كتاب الله وروينا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده
ثم عليهم حجج كثيرة من الكلام والنظر لا نحب ذكر كثير منها تخوفا من أن لا تحتملها قلوب ضعفاء الناس ولكن يكفي من نظر فيما ذكرنا من كتاب الله عز وجل وروينا من هذه الآثار أن يعلم أن مخالفة هؤلاء للأمة قديما وحديثا فيقول لهم وجدنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والأمة بعده سموه كلام الله وزعمتم أنتم أنه خلق الله فكفى بهذا مخالفة لله ولرسوله وللأمة من بعده أو ائتوا فيه بكتاب ناطق أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من أهل العلم أنه مخلوق ولن تأتوا به أبدا وكيف تأثرون الكفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإسلام بعدهم
فذهب بعضهم يحتج بتفاسير مقلوبة وبمعان لا أصل لها من كتاب ولا سنة ولا إجماع إلا الكفر يقينا
قلت لبعضهم دعوا هذه الأغلوطات التي نحن بها أعلم منكم ولن ينزلكم الله من كتابه بالمنزلة التي يعتمد فيها على تفسيركم أو يقبل فيها شيء من آرائكم وقد أتيناكم به منصوصا عن الله وعن رسوله وعن الأمة بأجمعها أنه كلام الله حقا فهاتوا عن أحد منهم منصوصا أنه خلق الله كما ادعيتم وإلا فأنتم المفارقون لجماعة المسلمين قديما وحديثا الملحدون في آيات الله المفترون على الله وعلى كتابه ورسوله ولن تأتوا عن أحد منهم
أرأيتم قولكم إنه مخلوق فما بدء خلقه قال الله له كن فكان كلاما قائما بنفسه بلا متكلم به فقد علم الناس إلا من شاء الله منهم أن الله عز وجل لم يخلق كلاما يرى ويسمع بلا متكلم به فلا بد من أن تقولوا في دعواكم الله المتكلم بالقرآن فأضفتموه إلى الله فهذا أجور الجور وأكذب الكذب أن تضيفوا كلام المخلوق إلى الخالق ولو لم يكن كفرا كان كذبا لا شك فيه فكيف وهو كفر لا شك فيه لا يحق لمخلوق يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدعي الربوبية ويدعو الخلق إلى عبادته فيقول ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) طه 14 ، ( إني أنا ربك ) طه 12 ، ( وأنا اخترتك ) طه 13 ، ( واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ) طه 41 - 42 ، ( إنني معكما أسمع وأرى ) طه 46 ، ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات 56 ، ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) يس 60 - 61
قد علم الخالق إلا من أضله الله أنه لا حق لأحد أن يقول هذا وما أشبهه غير الخالق بل القائل به والداعي إلى عبادته غير الله كافر كفرعون الذي قال ( أنا ربكم الأعلى ) النازعات 24 ، والمجيب له والمؤمن بدعواه أكفر وأكذب
وإن قلتم إنه تكلم به مخلوق فأضفناه إلى الله لأن الخلق كلهم بصفاتهم وكلامهم لله فهذا المحال الذي ليس وراءه محال فضلا على أن يكون كفرا لأن الله عز وجل لم ينسب شيئا من الكلام كله إلى نفسه أنه كلامه غير القرآن وما أنزل على رسله فإن قد تم كلامكم ولزمتموه لزمكم أن تسموا الشعر وجميع الغناء والنوح وكلام السباع والطير والبهائم كلام الله فهذا ما لا يختلف المصلون في بطوله واستحالته فما فضل القرآن إذا عندكم على الغناء والنوح والشعر إذ كان كله في دعواكم كلام الله فكيف خص القرآن بأنه كلام الله ونسب كل كلام سواه إلى قائله فكفى بقوم ضلالا أن يدعوا دعوى لا يشك الموحدون في بطوله واستحالته
ومما يزيد دعواكم تكذيبا واستحالة ويزيد المؤمنين بكلام الله إيمانا وتصديقا أن الله عز وجل قد ميز بين من كلم من رسله في الدنيا وبين من لم يكلم ومن يكلم من خلقه في الآخرة ومن لم يكلم فقال ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ) البقرة 253 ، فميز بين من اختصه بكلامه وبين من لم يكلمه ثم سمى ممن كلم موسى فقال ( وكلم الله موسى تكليما ) النساء 164 ، فلو لم يكلمه بنفسه إلا على تأويل ما ادعيتم فما فضل ما ذكر الله من تكليمه إياه على غيره ممن لم يكلمه إذ كل الرسل في تكليم الله إياهم مثل موسى وكل عندكم لم يسمع كلام الله فهذا محال من الحجج فضلا أن يكون ردا لكلام الله وتكذيبا لكتابه ولم يقل منهم من كلم الله إلا وأن حالتيهما مختلفتان في تكليم الله إياهم فمما يزيد ذلك تحقيقا قوله ( أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ) آل عمران 77 ، يعنى يوم القيامة ففي هذا بيان بين أنه لا يعاقب قوما يوم القيامة بصرف كلامه عنهم إلا وأنه مثيب بتكليمه قوما آخرين
ثم قد ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من يكلمه الله يوم القيامة وبين من لا يكلمه فمن ذلك ما روينا في هذا الباب عن عدي ابن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة والحديث الآخر ما روينا عن أبي ذر رضي الله عنه قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ففي هذين الحديثين أيضا بيان بين على نفس كلام الله عز وجل أنه يكلم أقواما ولا يكلم آخرين ولو كان كما ادعيتم كان المثاب بكلام الله والمعاقب به المصروف عنه سواء عندكم ألا ترى أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم صلوات الله عليه أنبيا كان قال نعم مكلما فهذا ينبئك أنه أراد نفس كلام الله لا كلام من سواه ولو كان مكلما بكلام المخلوقين في دعواهم لم يكن فيه كبير فضيلة لآدم على غيره من الخلق لأن عامة الخلق يكلم بعضهم بعضا فهم مكلمون فما فضل آدم في هذا عندكم على من سواه من ذريته و قد قال تبارك وتعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) البقرة 37

(1/181)


باب الاحتجاج للقرآن أنه غير مخلوق

(1/182)


169 - قال أبو سعيد رحمه الله فمن ذلك ما أخبر الله تعالى في كتابه عن زعيم هؤلاء الأكبر وإمامهم الأكفر الذي ادعى أولا أنه مخلوق وهو الوحيد واسمه الوليد بن المغيرة فأخبر الله عن الكافر دعواه فيه ثم أنكر عليه دعواه وردها عليه ووعده النار أن ادعى أن قول الله قول البشر
وقوله ( إن هذا إلا قول البشر ) المدثر 25 ، وقول هؤلاء الجهمية هو مخلوق واحد لا فرق بينهما فبئس التابع وبئس المتبوع. قال الله تعالى ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) إلى قوله ( ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر ) المدثر 11 - 26 ، يعني أنه ليس بقول البشر كما ادعى الوليد ولكنه قول الله عز وجل
فحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال سمعت أبي يذكر عن مجاهد في قوله ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ) قال ذلك الوليد بن المغيرة المخزومي والمال الممدود ألف دينار والبنين الشهود عشرة بنين قال فلم يزل النقصان في ماله وولده حين تكلم بما تكلم حتى مات
قال أبو سعيد وكذلك صار لأتباعه الذين تلقفوا منه هذه الكلمة خزي وتباب في كل شيء من أمرهم
ومما يحتج به أيضا عليهم من كتاب الله عز وجل قول الله عز وجل ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) الإسراء 88 ، وقوله ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على علينا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) البقرة 23 - 24 تثبيتا أنهم لا يفعلونه أبدا وقوله ( فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) هود 13
ففي هذا بيان بين أن القرآن خرج من الخالق لا من المخلوقين وأنه كلام الخالق لا كلام المخلوقين ولو كان كلام المخلوقين ومنهم لقدر المخلوق الآخر أن يأتي بمثله أو بأحسن منه لأنه لم يتكلم مخلوق بحق وباطل من الشعر أو الخطب أو المواعظ أو من كلام الحكمة أو غير ذلك إلا وقد أتى بمثله أو بأحسن منه نظراؤه ممن هم في عصره أو من بعده فهذا قد ثبت الله عليه الشهادة أنه لا يأتي بمثله جن ولا إنس لأنه منه وصدق الله وبلغ رسوله لم يأتوا بمثله منذ مائتي وخمسين سنة ولا يأتون بمثله إلى خمسين ألف سنة فكيف يفعلونه وقد قال الله عز وجل ( لن تفعلوا ) البقرة 24 و ( لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) الإسراء 88 ، ففي هذا بيان بين أنه كلام الخالق نفسه وأنه غير مخلوق
ومما نحتج به عليهم أنه غير مخلوق من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه

(1/183)


170 - حَدَّثَنَا بِهِ شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ، وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ »

(1/184)


171 - حدثنا عقبة بن مكرم البصري ، ثنا معلى بن أسد ، ثنا محمد بن سواء ، ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن أشعث الحداني ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرحمن على سائر خلقه »

(1/185)


172 - وحدثني محمد بن حميد الرازي ، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، ثنا الجراح بن الضحاك الكندي ، عن علقمة بن مرثد ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه » قال أبو عبد الرحمن : فهذا الذي أجلسني هذا المجلس ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الخالق على المخلوق ، وذلك أنه منه قال أبو سعيد : ففي هذه الأحاديث بيان أن القرآن غير مخلوق ؛ لأنه ليس شيء من المخلوقين من التفاوت في فضل ما بينهما كما بين الله وبين خلقه في الفضل ؛ لأن فضل ما بين المخلوقين يستدرك ، ولا يستدرك فضل الله على خلقه ، ولا يحصيه أحد ، وكذلك فضل كلامه على كلام المخلوقين ، ولو كان كلاما مخلوقا لم يكن فضل ما بينه وبين سائر الكلام كفضل الله على خلقه ولا كعشر عشر جزء من ألف ألف جزء ولا قريبا ولا قريبا ، فافهموه ، فإنه ليس كمثله شيء ، فليس ككلامه كلام ، ولن يؤتى بمثله أبدا

(1/186)


173 - حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري ، ثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ثابت بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما قال : لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل ، له دوي (1) كدوي النحل ، يقول : يا رب منك خرجت وإليك أعود ، أتلى ولا يعمل بي ، أتلى ولا يعمل بي
__________
(1) الدوي : صوت ليس بالعالي كصوت النحل وغيره

(1/187)


174 - سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، يقول : قال سفيان بن عيينة : قال عمرو بن دينار : أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون : « الله الخالق ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، منه خرج ، وإليه يعود »

(1/188)


175 - حدثنا علي بن المديني ، ثنا موسى بن داود ، ثنا معبد ، قال : قال علي وهو ابن راشد ، عن معاوية بن عمار ، قال : قيل لجعفر بن محمد : القرآن خالق أو مخلوق ؟ قال : « ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله »

(1/189)


176 - حدثنا محمد بن منصور الذي يقال له الطوسي من أهل بغداد وكان ثقة قال : حدثني علي بن مضاء مولى خالد القسري قال : سمعت ابن المبارك بالمصيصة ، وسأله رجال عن القرآن ، فقال : « هو كلام الله غير مخلوق »

(1/190)


177 - وحدثنا محمد بن منصور ، قال : حدثني علي بن المضاء ، قال : سمعت بقية بن الوليد ، يقول : « القرآن كلام الله غير مخلوق »

(1/191)


178 - وحدثنا محمد بن منصور ، ثنا علي بن المضاء ، قال : سمعت عيسى بن يونس ، يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق

(1/192)


179 - حدثنا محمد بن منصور ، ثنا علي بن المضاء ، قال : سمعت القاسم الجزري ، يقول : « القرآن كلام الله غير مخلوق »

(1/193)


(1/194)


181 - حدثنا عبد الله بن صالح المصري ، ثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن رجل ، من شيوخ أهل مصر أنه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « القرآن أحب إلى الله من السموات والأرض وما فيهن » قال أبو سعيد : فهذا ينبئك أنه نفس كلام الله وأنه غير مخلوق ؛ لأن الله عز وجل لم يخلق كلاما إلا على لسان مخلوق ، فلو كان القرآن مخلوقا كما يزعم هؤلاء المعطلون ، كان إذا من كلام المخلوقين ، وكل هذه الروايات والحكايات والشواهد والدلائل قد جاءت وأكثر منها في أنه غير مخلوق ، ثم إحاطة علم العلماء وعقول العقلاء بأن كلام الخالق لا يكون مخلوقا أبدا ، إذا كان في دعواهم قبل أن يخلق الكلام منقوصا مضطرا إلى الكلام ، حتى خلقه وكملت ربوبيته وتمت وحدانيته بمخلوق في دعواهم

(1/195)


باب الاحتجاج على الواقفة قال أبو سعيد رحمه الله : ثم إن ناسا ممن كتبوا العلم بزعمهم وادعوا معرفته وقفوا في القرآن ، فقالوا : لا نقول مخلوق هو ولا غير مخلوق ، ومع وقوفهم هذا لم يرضوا حتى ادعوا أنهم ينسبون إلى البدعة من خالفهم وقال بأحد هذين القولين . فقلنا لهذه العصابة : أما قولكم : مبتدع ، فظلم وحيف في دعواكم حتى تفهموا الأمر وتعقلوه ، لأنكم جهلتم أي الفريقين أصابوا السنة والحق ، فيكون من خالفهم مبتدعة عندكم ، والبدعة أمرها شديد ، والمنسوب إليها سيء الحال بين أظهر المسلمين ، فلا تعجلوا بالبدعة حتى تستيقنوا وتعلموا أحقا قال أحد الفريقين أم باطلا ؟ وكيف تستعجلون أن تنسبوا إلى البدعة أقواما في قول قالوه ، ولا تدرون أنهم أصابوا الحق في قولهم ذلك أم أخطؤوه ، ولا يمكنكم في مذهبكم أن تقولوا لواحد من الفريقين : لم تصب الحق بقولك ، وليس كما قلت فمن أسفه في مذهبه وأجهل ممن ينسب إلى البدعة أقواما يقول : لا ندري أهو كما قالوا أم ليس كذلك ، ولا يأمن في مذهبه أن يكون أحد الفريقين أصابوا الحق والسنة ، فسماهم مبتدعة ، ولا يأمن في دعواه أن يكون الحق باطلا والسنة بدعة ؟ هذا ضلال بين وجهل غير صغير . وأما قولكم : لا ندري مخلوق هو أم غير مخلوق ، فإن كان ذلك منكم قلة علم به وفهم فإن بيننا وبينكم فيه النظر بما يدل عليه الكتاب والسنة ويحتمل بالعقول ، وجدنا الأشياء كلها شيئين : الخالق بجميع صفاته ، والمخلوقين بجميع صفاتهم ، فالخالق بجميع صفاته غير مخلوق ، والمخلوق بجميع صفاته مخلوق ، فانظروا في هذا القرآن ، فإن كان عندكم صفة المخلوقين ، فلا ينبغي أن تشكوا في المخلوقين وفي كلامهم وصفاتهم أنها مخلوقة كلها لا شك فيها ، فيلزمكم في دعواكم حينئذ أن تقولوا كما قالت الجهمية ، فلتستريحوا من القال والقيل فيه ، وتغيروا عن ضمائركم ، وإن كان عندكم هو صفة الخالق وكلامه حقا ومنه خرج ، فلا ينبغي لمصل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يشك في شيء من صفات الله وكلامه الذي خرج منه أنه غير مخلوق ، هذا واضح لا لبس فيه إلا على من جهل العلم أمثالكم وما فرق بينكم ، وبين من قال : هو مخلوق إلا يسير ، يزعم أولئك أنه كلام الله مضاف إليه مخلوق ، وزعمتم أنتم أنه كلام الله ، ولا تدرون مخلوق هو أو غير مخلوق ، فإذا لم تدروا لم تأمنوا في مذهبكم أن يكون أولئك الذين قالوا : مخلوق ، قد أصابوا من قولكم ، فكيف تنسبونهم إلى البدعة وأنتم في شك من أمرهم ؟ فلا يجوز لرجل أن ينسب رجلا إلى بدعة بقول أو فعل حتى يستيقن أن قوله ذلك وفعله باطل ليس كما يقول ، فلذلك قلنا : إن فرق ما بينكم يسير ، لأن أولئك ادعوا أنه مخلوق ، وزعمتم أنتم أنه كلام الله ، ومن زعم أنه غير مخلوق فقد ابتدع وضل في دعواكم ، فإن كان الذي يزعم أنه غير مخلوق مبتدعا عندكم ، لا تشكون فيه أنه لمخلوق حقا لا شك فيه ، ولكن تستترون من الافتضاح به مخافة التشنيع ، وجعلتم أنفسكم جنة ودلسة للجهمية عند الناس ، تصوبون آراءهم وتحسنون أمرهم وتنسبون إلى البدعة من خالفهم . والحجة على هذه العصابة أيضا جميع ما احتججنا به من كتاب الله في تحقيق كلام الله وما روينا فيه من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن بعده أن القرآن نفس كلام الله وأنه غير مخلوق ، فهي كلها داخلة عليهم كما تدخل على الجهمية ؛ لأن كل من آمن بالله ، وصدقه في قوله : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله (1) ) . وفي قوله : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله (2) ) . فأيقن بأنه كلامه حقا كما سماه أصدق القائلين ، لزمه الإيمان بأنه غير مخلوق ؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يجعل كلاما مخلوقا لنفسه صفة وكلاما ، ولم يضف إلى نفسه كلام غيره ؛ لأنه أصدق القائلين ، ولا يقاس كلام الله ببيت الله وعبد الله وخلق الله وروح الله ؛ لأن الخلق ليس من الله ولا من صفاته ، وكلامه صفته ومنه خرج ، فلا يضاف إلى الله من الكلام إلا ما تكلم به ، ولو جاز أن ينسب كلام مخلوق إلى الله فيكون لله كلاما وصفة ، كما يضاف إليه بيت الله وعبد الله لجاز أن نقول : كل ما يتكلم به آناء الليل والنهار من حق أو باطل أو شعر أو غناء أو نوح كلام الله ، فما فضل القرآن في هذا القياس على سائر كلام المخلوقين إن كان كله ينسب إلى الله ، ويقام لله صفة وكلاما في دعواكم ؟ فهذا ضلال بين ، مع أنا قد كفينا مؤنة النظر بما في كتاب الله من البيان ، وفي الأثر من البرهان ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم قال أبو سعيد رحمه الله : احتججنا بهذه الحجج وما أشبهها على بعض هؤلاء الواقفة ، وكان من أكبر احتجاجهم علينا في ذلك أن قالوا : إن ناسا من مشيخة رواة الحديث الذين عرفناهم عن قلة البصر بمذاهب الجهمية سئلوا عن القرآن ، فقالوا : لا نقول فيه بأحد القولين ، وأمسكوا عنه إذ لم يتوجهوا لمراد القوم ؛ لأنها كانت أغلوطة وقعت في مسامعهم لم يعرفوا تأويلها ، ولم يبتلوا بها قبل ذلك ، فكفوا عن الجواب فيه وأمسكوا . فحين وقعت في مسامع غيرهم من أهل البصر بهم وبكلامهم ومرادهم ممن جالسوهم وناظروهم وسمعوا قبح كلامهم ، مثل من سمينا ، مثل جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، وابن المبارك ، وعيسى بن يونس ، والقاسم الجزري ، وبقية بن الوليد ، والمعافى بن عمران ، ونظرائهم من أهل البصر بكلام الجهمية ، لم يشكوا أنها كلمة كفر ، وأن القرآن نفس كلام الله كما قال الله تبارك وتعالى ، وأنه غير مخلوق إذ رد الله على الوحيد قوله : إنه قول البشر وأصلاه عليه سقر ، فصرحوا به على علم ومعرفة أنه غير مخلوق ، والحجة بالعارف بالشيء ، لا بالغافل عنه القليل البصر به ، فتعلق هؤلاء فيه بإمساك أهل البصر ولم يلتفتوا إلى قول من استنبطه وعرف أصله ، فقلنا لهم : إن يك جبن هؤلاء الذين احتججتم بهم من قلة بصر ، فقد اجترأ هؤلاء ، وصرحوا ببصر ، وكانوا من أعلام الناس وأهل البصر بأصول الدين وفروعه حتى أكفروا من قال : مخلوق ، غير شاكين في كفرهم ولا مرتابين فيهم
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 6
(2) سورة : الفتح آية رقم : 15

(1/196)


باب الاحتجاج في إكفار الجهمية قال أبو سعيد رحمه الله : ناظرني رجل ببغداد منافحا عن هؤلاء الجهمية ، فقال لي : بأية حجة تكفرون هؤلاء الجهمية ، وقد نهي عن إكفار أهل القبلة ؟ بكتاب ناطق تكفرونهم أم بأثر أم بإجماع ؟ فقلت : ما الجهمية عندنا من أهل القبلة ، وما نكفرهم إلا بكتاب مسطور وأثر مأثور وكفر مشهور . أما الكتاب فما أخبر الله ، عز وجل عن مشركي قريش من تكذيبهم بالقرآن ، فكان من أشد ما أخبر عنهم من التكذيب أنهم قالوا : هو مخلوق ، كما قالت الجهمية سواء . قال الوحيد ، وهو الوليد بن المغيرة المخزومي : ( إن هذا إلا قول البشر (1) ) . وهذا قول جهم : إن هذا إلا مخلوق ، وكذلك قول من يقول بقوله ، وقول من قال : ( إن هذا إلا إفك افتراه (2) ) . ( إن هذا إلا أساطير الأولين (3) ) . و ( إن هذا إلا اختلاق (4) ) . معناهم في جميع ذلك ومعنى جهم في قوله يرجعان إلى أنه مخلوق ليس بينهما فيه من البون كغرز إبرة ولا كقيس شعرة ، فبهذا نكفرهم كما أكفر الله به أئمتهم من قريش ، فقال : ( سأصليه سقر (5) ) . إذ قال : ( إن هذا إلا قول البشر ) . لأن كل إفك وتقول وسحر واختلاق وقول البشر ، كله لا شك في شيء منه أنه مخلوق ، فاتفق من الكفر بين الوليد بن المغيرة وجهم بن صفوان الكلمة ، والمراد في القرآن أنه مخلوق ، فهذا الكتاب الناطق في إكفارهم
__________
(1) سورة : المدثر آية رقم : 25
(2) سورة : الفرقان آية رقم : 4
(3) سورة : الأنعام آية رقم : 25
(4) سورة : ص آية رقم : 7
(5) سورة : المدثر آية رقم : 26

(1/197)


182 - وأما الأثر فيه فما حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، وجرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه أتي بقوم من الزنادقة ، فحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : أما أنا فلو كنت لقتلتهم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من بدل دينه فاقتلوه » ولما حرقتهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ولا تعذبوا بعذاب الله » زاد سليمان في حديث جرير : فبلغ عليا ما قال ابن عباس رضي الله عنهم ، فقال : ويح ابن أم الفضل ، إنه لغواص على الهنات قال أبو سعيد : فرأينا هؤلاء الجهمية أفحش زندقة وأظهر كفرا وأقبح تأويلا لكتاب الله ورد صفاته فيما بلغنا عن هؤلاء الزنادقة الذين قتلهم علي عليه السلام وحرقهم . فمضت السنة من علي وابن عباس رضي الله عنهما في قتل الزنادقة ، لأنها كفر عندهما ، وأنهم عندهما ممن بدل دين الله ، وتأولا في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب على رجل قتل في قول يقوله حتى يكون قوله ذلك كفرا ، لا يجب فيما دون الكفر قتل إلا عقوبة فقط ، فذاك الكتاب في إكفارهم ، وهذا الأثر . ونكفرهم أيضا بكفر مشهور ، وهو تكذيبهم بنص الكتاب ، أخبر الله تبارك وتعالى أن القرآن كلامه ، وادعت الجهمية أنه خلقه ، وأخبر الله تبارك وتعالى أنه كلم موسى تكليما ، وقال هؤلاء : لم يكلمه الله بنفسه ، ولم يسمع موسى نفس كلام الله ، إنما سمع كلاما خرج إليه من مخلوق ، ففي دعواهم دعا مخلوق موسى إلى ربوبيته ، فقال : ( إني أنا ربك فاخلع نعليك (1) ) . فقال له موسى في دعواهم : صدقت ، ثم أتى فرعون يدعوه أن يجيب إلى ربوبية مخلوق كما أجاب موسى في دعواهم ، فما فرق بين موسى وفرعون في مذهبهم في الكفر ، إذا فأي كفر أوضح من هذا . وقال الله تبارك وتعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (2) ) . وقال هؤلاء : ما قال لشيء قط قولا وكلاما : كن فكان ، ولا يقوله أبدا ، ولم يخرج منه كلام قط ، ولا يخرج ، ولا هو يقدر على الكلام في دعواهم ، فالصنم في دعواهم والرحمن بمنزلة واحدة في الكلام ، فأي كفر أوضح من هذا . وقال الله تبارك وتعالى : ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء (3) ) . و ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي (4) ) . و ( بيدك الخير إنك على كل شيء قدير (5) ) . وقال : ( يد الله فوق أيديهم (6) ) . قال هؤلاء : ليس لله يد ، وما خلق آدم بيديه ، إنما يداه نعمتاه ورزقاه . فادعوا في يدي الله أوحش مما ادعته اليهود ( قالت اليهود يد الله مغلولة ) ، وقالت الجهمية : يد الله مخلوقة ، لأن النعم والأرزاق مخلوقة لا شك فيها ، وذاك محال في كلام العرب فضلا أن يكون كفرا ؛ لأنه يستحيل أن يقال : خلق آدم بنعمته ، ويستحيل أن يقال : في قول الله تبارك وتعالى : ( بيدك الخير ) : بنعمتك الخير ؛ لأن الخير نفسه هو النعم نفسها ، ومستحيل أن يقال في قول الله عز وجل : ( يد الله فوق أيديهم ) : نعمة الله فوق أيديهم ، وإنما ذكرنا هاهنا اليد مع ذكر الأيدي في المبايعة بالأيدي ، فقال : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) . ويستحيل أن يقال : ( يداه مبسوطتان ) : نعمتاه ، فكأن ليس له إلا نعمتان مبسوطتان ، لا تحصى نعمه ، ولا تستدرك ، فلذلك قلنا : إن هذا التأويل محال من الكلام فضلا أن يكون كفرا . ونكفرهم أيضا بالمشهور من كفرهم أنهم لا يثبتون لله تبارك وتعالى وجها ولا سمعا ولا بصرا ولا علما ولا كلاما ولا صفة إلا بتأويل ضلال ، افتضحوا وتبينت عوراتهم ، يقولون : سمعه وبصره وعلمه وكلامه بمعنى واحد ، وهو بنفسه في كل مكان ، وفي كل بيت مغلق ، وصندوق مقفل ، قد أحاطت به في دعواهم حيطانهم وأغلاقها وأقفالها ، فإلى الله نبرأ من إله هذه صفته ، وهذا أيضا مذهب واضح في إكفارهم . ونكفرهم أيضا أنهم لا يدرون أين الله ، ولا يصفونه بأين ، والله قد وصف نفسه بأين ، فقال : ( الرحمن على العرش استوى (7) ) . ( وهو القاهر فوق عباده (8) ) . و ( إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا (9) ) . و ( يخافون ربهم من فوقهم (10) ) . ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض (11) ) . ونحو هذا ، فهذا كله وصف بأين ، ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأين ، فقال للأمة السوداء : « أين الله ؟ » فقالت : في السماء ، قال : « من أنا ؟ » قالت : أنت رسول الله قال : « أعتقها فإنها مؤمنة » ، والجهمية تكفر به ، وهذا أيضا من واضح كفرهم ، والقرآن كله ينطق بالرد عليهم ، وهم يعلمون ذلك ، أو بعضهم ، ولكن يكابرون ويغالطون الضعفاء ، وقد علموا أنه ليس من حجة أنقض لدعواهم من القرآن ، غير أنهم لا يجدون إلى رفع الأصل سبيلا مخافة القتل والفضيحة ، وهم عند أنفسهم بما وصف الله به فيه نفسه جاحدون . قد ناظرنا بعض كبرائهم ، وسمعنا ذلك منهم منصوصا مفسرا . ويقصدون أيضا بعبادتهم إلى إله تحت الأرض السفلى ، وعلى ظهر الأرض العليا ، ودون السماء السابعة العليا ، وإله المصلين من المؤمنين الذين يقصدون إليه بعبادتهم : الرحمن الذي فوق السماء السابعة العليا ، وعلى عرشه العظيم استوى ، وله الأسماء الحسنى ، تبارك اسمه وتعالى ، فأي كفر أوضح مما حكيناه عنهم من سوء مذاهبهم ، ما زاد ماني وشمعلة الزنديقان قال أبو سعيد : فقال لي المناظر الذي ناظرني : أردت إرادة منصوصة في إكفار الجهمية باسمهم ، وهذا الذي رويت عن علي رضي الله عنه في الزنادقة فقلت : الزنادقة والجهمية أمرهما واحد ، ويرجعان إلى معنى واحد ومراد واحد ، وليس قوم أشبه بقوم منهم بعضهم ببعض ، وإنما يشبه كل صنف وجنس بجنسهم وصنفهم ، فقد كان ينزل بعض القرآن خاصا في شيء ، فيكون عاما في مثله ، وما أشبهه ، فلم يظهر جهم وأصحاب جهم في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار التابعين فيروى عنهم فيها أثر منصوص مسمى ، ولو كانوا بين أظهرهم مظهرين آراءهم لقتلوا كما قتل علي رضي الله عنه الزنادقة التي ظهرت في عصره ، ولقتلوا كما قتل أهل الردة ، ألا ترى أن الجعد بن درهم أظهر بعض رأيه في زمن خالد القسري ، فزعم أن الله تبارك وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، فذبحه خالد بواسط يوم الأضحى على رءوس من حضره من المسلمين ، لم يعبه به عائب ، ولم يطعن عليه طاعن ، بل استحسنوا ذلك من فعله وصوبوه ، وكذلك لو ظهر هؤلاء في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار التابعين ما كان سبيلهم عند القوم إلا القتل ، كسبيل أهل الزندقة ، وكما قتل علي رضي الله عنه من ظهر منهم في عصره وأحرقه ، وظهر بعضهم بالمدينة في عهد سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، فأشاروا على والي المدينة يومئذ بقتله . ويكفي العاقل من الحجج في إكفارهم ما تأولنا فيه من كتاب الله ، وروينا فيه عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ، وما فسرنا من واضح كفرهم ، وفحش مذاهبهم شيئا شيئا ، فأما إذ أبيتم أن تقبلوا إلا المنصوص فيهم ، المقصود بها إليهم بجلاهم وأسمائهم ، فسنروي ذلك عن بعض من ظهر ذلك بين أظهرهم من العلماء
__________
(1) سورة : طه آية رقم : 12
(2) سورة : النحل آية رقم : 40
(3) سورة : المائدة آية رقم : 64
(4) سورة : ص آية رقم : 75
(5) سورة : آل عمران آية رقم : 26
(6) سورة : الفتح آية رقم : 10
(7) سورة : طه آية رقم : 5
(8) سورة : الأنعام آية رقم : 18
(9) سورة : آل عمران آية رقم : 55
(10) سورة : النحل آية رقم : 50
(11) سورة : الملك آية رقم : 16

(1/198)


183 - حدثني محمد بن المعتمر السجستاني أبو سهل ، وكان من أوثق أهل سجستان وأصدقهم ، عن زهير بن نعيم البابي أنه سمع سلام بن أبي مطيع يقول : « الجهمية كفار »

(1/199)


184 - وسمعت محمد بن المعتمر ، يقول : سمعت زهير بن نعيم ، يقول : سئل حماد بن زيد وأنا معه ، في سوق البصرة عن بشر المريسي ، فقال : « ذاك كافر »

(1/200)


185 - قال أبو سعيد وبلغني عن يزيد بن هارون ، أنه قال : « الجهمية كفار ، وقال : حرضت غير مرة أهل بغداد على قتل المريسي »

(1/201)


186 - حدثنا يحيى الحماني ، ثنا الحسن بن الربيع ، قال : سمعت ابن المبارك ، يقول : « من زعم أن قوله : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا (1) ) مخلوق فهو كافر »
__________
(1) سورة : طه آية رقم : 14

(1/202)


187 - سمعت محبوب بن موسى الأنطاكي ، يذكر أنه سمع وكيعا ، « يكفر الجهمية »

(1/203)


188 - وحدثت عن سفيان الثوري ، عن حماد بن أبي سليمان ، أنه كفر من زعم أن القرآن مخلوق

(1/204)


189 - وسمعت يحيى بن يحيى ، يقول : « القرآن كلام الله ، من شك فيه ، أو زعم أنه مخلوق فهو كافر »

(1/205)


190 - وسمعت الربيع بن نافع أبا توبة ، « يكفر الجهمية » قال أبو سعيد : فهؤلاء الذين أكفروهم في آخر الزمان ، وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما في أول الزمان ، وأنزلاهم منزلة من بدل دينه ، فاستحقوا القتل بتبديله

(1/206)


191 - حدثنا الحماني ، ثنا إبراهيم بن منصور العلاف ، وأثنى عليه هو ومن حضر المجلس خيرا قال : لما كان أيام المحنة ، فأخرج النفر إلى المأمون فامتحنوا وردوا ، لقيت أعرابيا ، فقال لي : ألا أحدثك عجبا ؟ قلت : ما ذاك ؟ قال : رأيت في المنام كأن نفرا ثلاثين أو أكثر جيء بهم من قبل المشرق أو المغرب ، فنظرت إليهم فإذا بطونهم مشققة ، ليس في أجوافهم شيء ، فقيل : هؤلاء الذين كفروا بالقرآن . والأعرابي لا يدري ما المحنة ، وما سببهم

(1/207)


192 - حدثنا الزهراني أبو الربيع ، قال : كان من هؤلاء الجهمية رجل ، وكان الذي يظهر من رأيه الترفض وانتحال حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال رجل ممن يخالطه ويعرف مذهبه : قد علمت أنكم لا ترجعون إلى دين الإسلام ولا تعتقدونه ، فما الذي حملكم على الترفض وانتحال حب علي ؟ قال : إذا أصدقك أنا ، إن أظهرنا رأينا الذي نعتقده رمينا بالكفر والزندقة ، وقد وجدنا أقواما ينتحلون حب علي ويظهرونه ثم يقعون بمن شاءوا ، ويعتقدون ما شاءوا ، ويقولون ما شاءوا ، فنسبوا إلى الترفض والتشيع ، فلم نر لمذهبنا أمرا ألطف من انتحال حب هذا الرجل ، ثم نقول ما شئنا ، ونعتقد ما شئنا ، ونقع بمن شئنا ، فلأن يقال لنا : رافضة أو شيعة ، أحب إلينا من أن يقال : زنادقة كفار ، وما علي عندنا أحسن حالا من غيره ممن نقع بهم قال أبو سعيد رحمه الله : وصدق هذا الرجل فيما عبر عن نفسه ولم يراوغ ، وقد استبان ذلك من بعض كبرائهم وبصرائهم ، أنهم يستترون بالتشيع ، يجعلونه تثبيتا لكلامهم وخبطهم ، وسلما وذريعة لاصطياد الضعفاء وأهل الغفلة ، ثم يبذرون بين ظهراني خبطهم بذر كفرهم وزندقتهم ليكون أنجع في قلوب الجهال وأبلغ فيهم ، ولئن كان أهل الجهل في شك من أمرهم ، إن أهل العلم منهم لعلى يقين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

(1/208)


باب قتل الزنادقة والجهمية ، واستتابتهم من كفرهم

(1/209)


193 - حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، أن أبا بكر بن عياش ، حدثهم عن أبي حصين ، عن سويد بن غفلة ، أن عليا ، رضي الله عنه قتل زنادقة ثم أحرقهم ، ثم قال : صدق الله ورسوله

(1/210)


194 - حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، وجرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أن عليا رضي الله عنه أتي بقوم من الزنادقة فحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : أما أنا فلو كنت لقتلتهم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما حرقتهم ، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من بدل دينه فاقتلوه » وقال : « لا تعذبوا بعذاب الله » وزاد سليمان في حديث جرير : قال : فبلغ عليا ما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : ويح ابن أم الفضل ، إنه لغواص على الهنات قال أبو سعيد رحمه الله : فالجهمية عندنا زنادقة من أخبث الزنادقة ، نرى أن يستتابوا من كفرهم ، فإن أظهروا التوبة تركوا ، وإن لم يظهروها تركوا ، وإن شهدت عليهم بذلك شهود فأنكروا ولم يتوبوا قتلوا ، كذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سن في الزنادقة

(1/211)


195 - حدثناه يحيى بن يحيى ، أنبأ هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي إدريس ، قال : أتي علي بن أبي طالب بقوم من الزنادقة فأنكروا ، فقامت عليهم البينة فقتلهم ، وقال : هذا قد استتبته (1) فاعترف بذنبه فخليت سبيله
__________
(1) الاستتابة : طلب التوبة

(1/212)


196 - وحدثنا القاسم بن محمد البغدادي ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب ، عن أبيه ، عن جده حبيب بن أبي حبيب قال : خطبنا خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم الأضحى ، فقال : أيها الناس ارجعوا فضحوا ، تقبل الله منا ومنكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ؛ إنه زعم أن الله تبارك وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا ، ثم نزل فذبحه

(1/213)


197 - حدثنا هشام بن منصور البغدادي المكفوف ، ثنا أحمد بن سليمان الباهلي ، ثنا خلف بن خليفة الأشجعي ، قال : أتي خالد بن عبد الله القسري برجل قد عارض القرآن ، فقال : قال الله في كتابه : ( إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر (1) ) . وقلت أنا ما هو أحسن منه : إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك وجاهر ، ولا تطع كل سافه وكافر . فضرب خالد عنقه وصلبه ، فمر به خلف بن خليفة وهو مصلوب فضرب بيده على خشبته ، فقال : إنا أعطيناك العمود ، فصل لربك على عود ، فأنا ضامن لك أن لا تعود
__________
(1) سورة : الكوثر آية رقم : 1

(1/214)


198 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : قلت لإبراهيم بن سعد : ما تقول في الزنادقة ، ترى أن نستتيبهم ؟ قال : لا ، قلت : فبم تقول ذلك ؟ قال : كان علينا وال بالمدينة فقتل منهم رجلا ولم يستتبه ، فسقط في يده ، فبعث إلى أبي ، فقال له أبي : لا يهدينك ؛ فإنه قول الله عز وجل : ( فلما رأوا بأسنا (1) ) قال : السيف ( قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) . قال : السيف ، فقال : سنته القتل
__________
(1) سورة : غافر آية رقم : 84

(1/215)


199 - وسمعت الربيع بن نافع أبا توبة الحلبي ، يقول : ناظرت أحمد بن حنبل رحمه الله في قتل هؤلاء الجهمية ، فقال : يستتابون ، فقلت له : أما خطباؤهم فلا يستتابون ، وتضرب أعناقهم

(1/216)


200 - حدثنا يحيى بن بكير المصري ، ثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من غير دينه فاضربوا عنقه » قال مالك : معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم ، أنه من خرج من الإسلام إلى غيره ، مثل الزنادقة وأشباهها ، فإن أولئك يقتلون ولا يستتابون ، لأنه لا تعرف توبتهم ، وأنهم قد كانوا يسرون الكفر ويعلنون بالإسلام ، فلا أرى أن يستتاب هؤلاء ، ولا يقبل قولهم ، وأما من خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وذلك أنه لو أن قوما كانوا على ذلك ، رأيت أن يدعوا إلى الإسلام ويستتابوا ، فإن تابوا قبل ذلك منهم ، وإن لم يتوبوا قتلوا . قال مالك : ولم يعن بهذا الحديث من خرج من اليهودية إلى النصرانية ، ولا من النصرانية إلى اليهودية ، إنما عنى بذلك من خرج من الإسلام إلى غيره فيما نرى ، والله أعلم . قال أبو سعيد رحمه الله : فأي كفر أعظم من كفر قوم رأى فقهاء المدينة مثل سعد بن إبراهيم ومالك بن أنس أنهم يقتلون ولا يستتابون ؛ إعظاما لكفرهم ، والمرتد عندهم يستتاب ويقبل رجوعه ، فكانت الزندقة أكبر في أنفسهم من الارتداد ومن كفر اليهود والنصارى

(1/217)


201 - ولذلك قال ابن المبارك رحمه الله : « لأن أحكي كلام اليهود والنصارى أحب إلي من أن أحكي كلام الجهمية » حدثناه الحسن بن الصباح البغدادي ، عن علي بن شقيق ، عن ابن المبارك قال أبو سعيد : وصدق ابن المبارك ، إن من كلامهم ما هو أوحش من كلام اليهود والنصارى ، فلذلك رأى أهل المدينة أن يقتلوا ولا يستتابوا ، ولذلك قال أبو توبة لأحمد بن حنبل رضي الله عنهما : أما خطباؤهم فلا يستتابون ، وتضرب أعناقهم ؛ لأن الخطباء اعتقدوا دينا في أنفسهم على بصر منهم بسوء مذاهبهم ، وأظهروا الإسلام تعوذا وجنة من القتل ، ولا تكاد ترى البصير منهم بمذهبه يرجع عن رأيه . قال أبو سعيد : وذهبت يوما أحكي ليحيى بن يحيى كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم ، وفي مجلسه يومئذ الحسين بن عيسى البسطامي ، وأحمد بن يونس القاضي ، ومحمد بن رافع ، وأبو قدامة السرخسي ، فيما أحسب ، وغيرهم من المشايخ ، فزبرني بغضب وقال : اسكت ، وأنكر علي المشايخ الذين في مجلسه استعظاما أن أحكي كلام الجهمية ، وتشنيعا عليهم ، فكيف بمن يحكي عنهم ديانة ثم قال لي يحيى : القرآن كلام الله ، من شك فيه أو زعم أنه مخلوق فهو كافر

(1/218)


202 - حدثنا يوسف بن يحيى البويطي ، عن محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله ، في الزنديق قال : يقبل قوله إذا رجع ، ولا يقتل ، واحتج فيهم ب ( إذا جاءك المنافقون (1) ) الآية . فأمره الله عز وجل أن يدع قتلهم لما يظهرون من الإسلام ، وكذلك الزنديق إذا أظهر الإسلام كان في هذا الوقت مسلما ، والمسلم غير مبدل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا شققت عن قلبه ؟ » قال أبو سعيد رحمه الله : وأنا أقول ، كما قال الشافعي : أن تقبل علانيتهم إذا اتخذوها جنة لهم من القتل ، أسروا في أنفسهم ما أسروا ، فلا يقتلوا ، كما أن المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة فلم يؤمر بقتلهم ، والزنديق عندنا شر من المنافق ، فلربما كان المنافق جاحدا بالرسول والإسلام ، مقرا بالله عز وجل ، مثبتا لربوبيته في نفسه ، والزنديق معطل لله ، جاحد بالرسل والكتب . وما يعرف في الإسلام زنادقة غير هؤلاء الجهمية ، وأي زندقة بأظهر ممن ينتحل الإسلام في الظاهر ، وفي الباطن يضاهي قوله في القرآن قول مشركي قريش الذين ردوا على الله ورسوله ، فقالوا : ( إن هذا إلا اختلاق (2) ) . و ( إن هذا إلا أساطير الأولين (3) ) . و ( إن هذا إلا قول البشر (4) ) . كما قالت الجهمية سواء : إن هذا إلا مخلوق . ولهم في ذلك أيضا أئمة سوء أقدم من مشركي قريش ، وهم عاد قوم هود ، الذين قالوا لنبيهم : ( سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ، إن هذا إلا خلق الأولين ، وما نحن بمعذبين (5) ) . فأي فرق بين الجهمية وبينهم حتى نجبن عن قتلهم وإكفارهم ؟ ولو لم يكن عندنا حجة في قتلهم وإكفارهم إلا قول حماد بن زيد ، وسلام بن أبي مطيع ، وابن المبارك ، ووكيع ، ويزيد بن هارون ، وأبي توبة ، ويحيى بن يحيى ، وأحمد بن حنبل ، ونظرائهم ، رحمة الله عليهم أجمعين ، لجبنا عن قتلهم وإكفارهم بقول هؤلاء ، حتى نستبرئ ذلك عمن هو أعلم منه وأقدم ، ولكنا نكفرهم بما تأولنا فيهم من كتاب الله عز وجل ، وروينا فيهم من السنة ، وبما حكينا عنهم من الكفر الواضح المشهور ، الذي يعقله أكثر العوام ، وبما ضاهوا مشركي الأمم قبلهم بقولهم في القرآن ، فضلا على ما ردوا على الله ورسوله من تعطيل صفاته ، وإنكار وحدانيته ، ومعرفة مكانه ، واستوائه على عرشه بتأويل ضلال ، به هتك الله سترهم ، وأبد سوءتهم ، وعبر عن ضمائرهم ، كلما أرادوا به احتجاجا ازدادت مذاهبهم اعوجاجا ، وازداد أهل السنة بمخالفتهم ابتهاجا ، ولما يخفون من خفايا زندقتهم استخراجا
__________
(1) سورة : المنافقون آية رقم : 1
(2) سورة : ص آية رقم : 7
(3) سورة : الأنعام آية رقم : 25
(4) سورة : المدثر آية رقم : 25
(5) سورة : الشعراء آية رقم : 136

(1/219)